أعمال
منتدى حوار المنامة التاسع ـ البحرين 6 : 8 ديسمبر 2013
هي
قمة الأمن الإقليمي التاسعة للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية المعروفة باسم
"حوار المنامة" التي استضافتها مملكة البحرين على مدى ثلاثة أيام في
الفترة من 6 إلى 8 ديسمبر 2013، وناقشت على مدار 45 ساعة عددا من القضايا جاء على
رأسها أمن الخليج والتزام الولايات المتحدة بحمايته، خاصة بعد الشكوك التي ثارت
حول تأثير التوافق الإيراني الغربي الأخير على دول التعاون الخليجي.
وكعادة
المنتدى كمنبر للحوار والنقاش وتبادل الرأي حول الهموم المشتركة وتحديات الأمن
الإقليمي والعالمي، فقد استضاف الحوار نحو 35 من كبار السياسيين ومسؤولي صنع
القرار في المنطقة والعالم، وزراء خارجية ودفاع ورؤساء أركان ومسؤولي أجهزة أمنية واستخباراتية،
فضلا عن باحثين وأكاديميين ودبلوماسيين وخبراء، من بينهم محللين سياسيين ومفاوضين إيرانيين،
في خطوة اعتبرت متوافقة مع الأجواء التي تلت الاتفاق الغربي مع إيران بشأن برنامجها
النووي.
وقد
انتظمت أعمال المنتدى بخلاف الجلسات الافتتاحية ولقاءات كبار المسؤولين في اليوم
الأول، على مدى خمسة جلسات عامة رئيسية وأربعة جلسات خاصة متزامنة، تناولت جميعها أولويات
الأمن العالمي وهندسة الأمن الإقليمي، سيما فيما يتعلق بالأوضاع في سوريا ومخاطر
الطائفية ومشروع الاتحاد الخليجي وغير ذلك كما سيلي بيانه.
في
الجلسة العامة الأولى للمنتدى والتي تحدث فيها تشاك هاغل وزير الدفاع الأمريكي،
أشار إلى أن بلاده "لا تنوي خفض حضورها العسكري في الخليج"، نحو 35 ألف
جندي، وذلك في رد واضح وربما مطمئن لدول مجلس التعاون الخليجي التي تردد داخل
أوساطها الإعلامية وربما ساحات صنع القرار بها الكثير من الشكوك حول مدى تأثير
التصالح الغربي مع إيران على الالتزام الأمريكي بحماية أمن المنطقة، مؤكدا صراحة
التزام بلاده بتحالفاتها وأنها "لن نذهب بعيدا"، يقصد التعاطي الدبلوماسي مع طهران، معتبرا إنه
"يتعين أن تدعم القوة العسكرية الجهد الدبلوماسي مع ايران".
وأكد وزير الدفاع، زيادة في الاطمئنان، على خطط بلاده
لما سماه تحسين الأمن وبناء القدرات لدول الخليج العربية ووضعية الاستقرار
بالمنطقة ككل بما يشمله ذلك من تعزيز الدفاع الصاروخي
وشراء دول التعاون لأنظمة دفاعية أمريكية والتعاطي مع ما سماه التحديات الإيرانية الأخرى وتسوية
قضايا التوتر وتهديد الأمن، في إشارة إلى سوريا، ودعم عملية التحول الديمقراطي
بمصر، معتبرا أن الإقليم ككل بحاجة إلى مشروع شامل لإقرار الاستقرار به، وأن بلاده
ستواصل التعاون مع الشركاء لإيجاد تسوية سياسية هناك مع دعم اللاجئين السوريين ومواجهة
تصاعد التطرف الذي يتسم بالعنف.
وكان
قد ثار قلق واسع في دوائر صنع القرار في دول الخليج العربية عبرت عنه الكثير من وسائل
الإعلام وبعض الكتاب، خاصة بعد الاتفاق
الغربي ـ الإيراني المشار إليه، وذلك بدعوى أن الاتفاق ربما يعني تخلي واشنطن عن وضعيتها في المنطقة وضعف
الاهتمام بها، ومن ثم فإنها قد تطلق يد طهران في شؤون المنطقة، أو تسمح لها للقيام
بدور يتجاوز العلاقات التاريخية والقوية التي تربط دول التعاون بواشنطن.
وذكر
الأمين العام لدول التعاون الخليجي في الجلسة العامة الثانية، أن المجلس أثبت منذ إنشائه
أنه عامل استقرار في الشرق الأوسط، وشدد وزير الدولة للشئون الخارجية السعودي على
ضرورة التزام إيران بما أعلنت عنه، مطالبا بأن تكون دول التعاون على اطلاع بالمفاوضات
معها، ودعا دول الخليج إلى الانتقال إلى مرحلة التكامل لتجنب المخاطر التي
تواجهها، وهي الكلمة التي ربما كانت سببا في دفع وزير الدولة العماني للشؤون
الخارجية إلى الرد والتأكيد على أنه "إذا أقاموا الاتحاد، لن نكون عضواً فيه"
و "لن نكون جزءاً منه"، في إشارة إلى أن الاتحاد المكون من ست دول لن يكون
قائما بانسحاب بلاده منه.
وقد
أثارت هذه القضية جدلا كبيرا بالنظر إلى الظروف التالية: استضافة مسقط لحوارات
الستة أشهر بين طهران وواشنطن قبل إعلان اتفاقهما الأخير، انعقاد القمة الخليجية
الـ34 بالكويت، والتي عُول عليها لإعلان الاتحاد الخليجي، الموقف العماني الرافض لفكرة
أطلقها العاهل السعودي نفسه دعا فيها للانتقال بالمجلس لصيغة الاتحاد، ما أثار
المخاوف مجددا من دور الشقيق السعودي الأكبر، إخفاق المجلس في تحقيق الوحدة الاقتصادية.
وخلال
الجلسة ذاتها، أكد وزير الخارجية المصري نبيل فهمي أن المنطقة تواجه العديد من
الصراعات المرتبطة في غالبيتها بالطائفية، وأن الدول العربية بحاجة للتركيز على
الأمن الوطني، معتبرا أن بلاده تواجه تهديدا شاملا لكيانها، وأنه من المهم إطلاق
حوار جدي، وفي الجلسة العامة الثالثة التي خُصصت للوضع في سوريا، انتقد وزير
الخارجية القطري ما سماه عجز المجتمع الدولي في توفير الحماية للشعب السوري، في
حين اعتبر وزير الخارجية العراقي أن بلاده لا تدعم الرئيس السوري، ولن تكون بلاده
جزءا من النزاع هناك، في إشارة للاتهامات التي توجه لبغداد ليس فقط بالانخراط في
الصراع، وإنما لأنها تُستخدم كجسر لإيصال الأسلحة الإيرانية للنظام في دمشق.
وناقشت
الجلسة العامة الرابعة تحت عنوان "استقرار الشرق الأوسط التدخل والوساطة
والتعاون العسكري" الوضع في سوريا واليمن، واعتبر وزير خارجية الأخيرة أن
بلاده عنصر استقرار للمنطقة وأمنها، وأنها تتعرض لضغوط وإساءات من قبل القوى
الخارجية التي تسعى لحماية مصالحها، فيما أكد وزير الخارجية الكندي وقوف بلاده
بجانبها، وأنه لم تتم معاقبة نظام الأسد الذي استخدم السلاح الكيماوي، ومن الضروري
تطبيق الاتفاقيات من أجل الوصول إلى جميع المرافق النووية الإيرانية، واصفا طهران بأنها
"تشكل قلقا للشعب الإيراني وشعوب الخليج".
وتحت
عنوان "الاهتمامات الدولية في أمن الشرق الأوسط ومنع انتشار الأسلحة"،
جاءت الجلسة العامة الخامسة للمنتدى، حيث طالب فيها الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس أمناء
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات بالسعودية، إيران بوقف تدخلاتها في الشئون العربية،
خاصة في البحرين، واصفا ذلك بأنه "يؤرق أمننا"، وقال إننا نرحب بالتعاون
مع وتطوير العلاقة مع إيران ما دامت عامل استقرار وتحافظ على علاقات حسن الجوار،
معتبرا أن الاتفاق النووي الأخير معها يعد "ناقص" لأنه لم ينقل المنطقة
بعد إلى ما سماه "بر الأمان"، ودعا إلى مشاركة دول الخليج في المفاوضات
بين إيران ومجموعة "5+1".
وأكد
وزير الشئون الخارجية الهندية عمق الروابط التاريخية والاقتصادية التي تجمع دول التعاون
مع نيودلهي، حيث "ارتفعت المبادلات التجارية إلى 180 مليارا عام 2013، وتوفر
دول المنطقة نحو ثلثي متطلبات الغاز والنفط لبلاده، ويعمل بها نحو 7 ملايين مواطن
هندي يرسلون نحو 70 مليار دولار في السنة تشكل نحو 40 % من قيمة الحوالات الداخلية"،
وأكد الدكتور جاري سامور المدير التنفيذي للبحوث بمركز بلفر للعلوم والشؤون
الدولية بجامعة هارفرد الأمريكية أن الاتفاق حول الملف النووي الإيراني ليست بالإنجاز
التاريخي، في حين أكد سيد حسين موسيان الباحث بجامعة برينستون الأمريكية والرئيس
السابق للجنة العلاقات الخارجية بالمجلس الأعلى للأمن الوطني في إيران على ضرورة
وقف ما سماه الحرب الباردة بين إيران ودول الخليج، داعيا إلى احترام الولايات
المتحدة لدور طهران في المنطقة.
يذكر
أنه في اليوم الختامي للمنتدى عُقدت الجلسات الأربعة الخاصة المتزامنة، وناقشت عدة
موضوعات منها: تبعات الحرب السورية، ومخاطر الطائفية والتطرف، والتوازن الإقليمي
والقوى الخارجية، والتغيرات في أسواق الطاقة, وقد شهدت هذه الجلسات تفاعلا واضحا
أثرى الحوار بين المتحدثين والحضور، سيما أنها ناقشت موضوعات وقضايا الساحة، وجرت
بين فاعلين من مختلفي المشارب والمستويات الفكرية والسياسية والأمنية.
محمد شحات عبد الغني ـ باحث في العلوم السياسية