للمصريين مواهبهم العديدة والتي يعترف بها القريب قبل البعيد..
قد يكون بعضها ذي وجه إيجابي باعتبارهم "بتوع" شغل والرضا بالمقسوم عبادة يا غوايش وغيرها...
وقد يكون بعضها الآخر ذي وجه سلبي باعتبارهم من المسببين للمشاكل تارة وبيخوزقوا في بعض تارة ثانية ولا يملكون حيلة إلا الضرب في بعضهم البعض، خاصة إذا ما كانوا يعملون في ظل شروط وأوضاع صعبة تضطرهم أحيانا لبيع غيرهم من إخوانهم المصريين للتقرب إلى رؤسائهم زلفى..
لكن ليس من شيم المصريين ما نراه الآن من قلة النخوة هذه التي تدفعهم للانسياق وراء فتاوى وأقاويل لم ينزل بها أحد سلطانا لمجرد كره تيار أو فصيل أو أحد ما..
كانوا من قبل ولا زال كثير منهم إلى الآن، إذ وصل بهم الكره لشخص ما أن يتركوه يبتعدوا عنه كما يقولون إبعد عن الشر وغني له..
وإذا ما اضطرتهم الظروف وكانوا أشد بأسا وإيمانا أن يدعو على من يرونهم مسؤولين عن أوضاعهم السيئة ويكنزوا عليه السيدة ويحسبنوا عليه أو يسلطوا عليهم وعلى ظالميهم رجلا أشد بأسا وتنكيلا من القبضايات والبلطجية وأصحاب النفوذ حتى لو كان أمين شرطة أو موظف غير معروف في السلطة المحلية..
لكن وصل بالمصريين الآن ألا يكتفوا بكل ما سبق واضطروا بفعل الظروف والأوضاع والزن على الودان الذي أمر من السحر والذي غابت فيه العقول، اضطروا ليس فقط إلى التخلي عن المظلوم وعدم الدعاء له أو على الاقل عدم المشاركة في ظلمه والانعزال والبعد عن الظالمين له، بل متابعتهم والانجرار ورائهم وتنفيذ مخططاتهم في مزيد من الظلم..
لم نعهد عن المصريين قدرتهم هذه على الانتقام والتشفي، صحيح أنها طبيعة بشرية لا يعدم ان تتوفر في الإنسان بطبيعته وبدرجات متفاوتة، لكن أن تزداد وبهذه الكثافة والثقل والعبء..هذه هي القضية..
ليس بعيدا عن ذلك الحديث عن تزايد معدلات الجريمة،وتزايد درجات العنف فيها واستخدام الأسلحة سواء كانت بيضاء أو سوداء أو حتى برتقالية، فضلا عن العنف المعنوي اللفظي والبصري والنفسي الذي يمارسه حتى الأطفال الآن ويتعلمونه من ذويهم عندما يزدرون الغير من أقرانهم ومدرسيهم والمختلفين معهم بمجرد النظرة ومداراة وجوههم عنهم..
الأسباب كثيرة وهي واضحة للعيان، قد يكون أبرزها ربما ضيق الحال وسبل المعيشة وغياب القانون وسلطة النظام والإحساس بالمساواة امام أجهزة وشخوص الدولة ومسؤوليها ونجاح القوة في نيل الحقوق..
كل هذه أسباب مفهومة، لكن السبب الأبرز في توحش المصريين والتباهي بسطوتهم ومقومات نفوذهم حتى لو كانت هباءا منثورا لا قيمة له كامتلاك فائض من المال أو القوة أو العيال أو السلطان..
السبب الأبرز هو العامل النفسي الذي تم تعميقه بفعل سنوات من التراكمات والخبرات الحياتية السيئة، الاقتصادية منها والاجتماعية والأمنية والسياسية، فضلا عن التعليمية والثقافية بالطبع..
تعميق النزعة الفردية، أنا ومن بعدي الطوفان، أنا والغريب على ابن عمي، حط ابنك تحت رجليك، أمثلة واضحة تعكس الإيمان المطلق بالأنا، وهي السمة التي تزداد الآن توغلا وتوحشا..