...إنها نفس اللغة والمفردات والأدوات ذاتها..لم يتغير الكثير، وقد ترسخت لديه العديد من القناعات المخالفة التي كان يحاول أن يبث بها الطمأنينة في خلده في اوقات سابقة، ولكن هيهات هيهات...
الحديث للنفس، الكتابة عما يدور في خلجات قلبه، أوعبر الورق، الهروب من كل ذلك بزحمة الأفكار والخطط والناس، الرضا بالمقسوم عبادة ياغوايش، عش عيشة اهلك، امشي جنب الحيط، عش نملة تاكل سكر... كلها وغيرها أدوات نفسية لتفريغ التوتر والإحتقان والقلق الداخلي...
لكن لا يمكن اعتبار ذلك علاجا نهائيا وحاسما لهذا العيون الحائرة والقلوب اللاهثة والإحساس بالعجز، كيف يمكن أن يجد المصري الجديد ذلك التوازن المفقود في قرارة نفسه، لماذا هذا الإحساس بعدم جدواه وانهياره...
صحيح أنه يتمني الأفضل على كافة الصعد، ويسعى من أجل ذلك بكل ما أوتيت قواه، أو على وجه التحديد، حسب ما تمليه عليه ظروفه ورعاته من السلطات الأبوية الذين لا يرونه ناضجا بشكل كاف ليتولى زمام أمره بنفسه...
تأتي الرياح دائما بما لا تشتهي السفن، وليس كل ما يتمناه المصري الحديث يدركه، وكأنه موعود بهذا العذاب النفسي، والخوف من الغد الذي لا يجيء، وربما الموت القادم الآتي..
لا يدرى، لكن ما هو على يقين منه، رغم خفوت حدته وعدم ظهوره، أنه يملك ما لا يملكه غيره، وفي لحظة غير متوقعة بحساب الزمن، لكنها منتظرة على أمل، سيحقق ما يريده لنفسه ولغيره..
هذه هي الحياة، يوم لك وآخر عليك، حيث يظن صاحبنا أن الأيام السابقة كانت عليه، وربما حان الوقت ليوم قادم له...
المصري اليوم، الإنسان وليس الكيان، يتعلم..
صحيح أن المناهج صعبة، وتتضمن حشوا ولغوا كثيرا، ولا يوجد مدرس واحد من مدرسي الليالي الكبيرة التي تسبق الامتحانات قادر على فهمها واستيعابها لإفادته، وربما لا توجد كتب خارجية تلخص وتيسر وتساعد بعيدا عن التفاصيل المضنية، ولا حتى يوجد الصبر اللازم الذي يعينه على التحمل والترقب انتظارا للبشرى...
لكن الحقيقة، أنه يتعلم وبدأ يدرك ويعي حتى لو أخذت منه هذه التجربة الطويلة وقتا قد يقوده للموت...