هناك فئة من البشر ما زالوا يرفضون لفظة ومفهوم ومعنى ومصطلح ونظام الديمقراطية وكل ما له صلة به..
الأمر هنا لا يقتصر على منطقتنا وثقافتنا فحسب، وإنما يبدو أنه يشمل كل الثقافات حتى الغربية منها، التي لا ينطبق المفهوم لديها إلا على مواطنيها، ولا ينصرف إلى الأغيار، خاصة من بداخلها، فما بالنا بخارجها..
يظهر هذا الرفض للمفهوم في أجل صوره هنا في هذه المنقطة المنكوبة، التي على ما يبدو توقف نموها الطبيعي، وانقطع خط تواصلها الحضاري سواء بفعل الأفاعيل أو بفعل الاستعمار والتبعية وحشاكيلهما من بني جلدتنا...
يقع على رأس هؤلاء الرافضين وفي مقدمتهم، رجال الدين خاصتنا الذين يبررون موقفهم الرافض من فكرة الديمقراطية بأسانيد ومبررات شرعية ـ لاهوتية، أيا ما كانت، وفقا لقراءاتهم الشخصية وتأويلاتهم الذاتية لمرجعياتهم...
منها: أن جذور المفهوم تعود لأصول ثقافية وحضارية مختلفة، وربما نجسة، لا تتناسب مع المجتمعات التي يرسمون ملامحها في أذهانهم، وتلبي تطلعاتهم الفكرية والنفسية، ويأملون تحققها بالعودة إلى زمن الماضي الجميل، مثلما يقول الإخوة الإعلاميون فاقدو البصر والبصيرة..
ومنها أيضا، وهو أكثرها أهمية وخطرا، وبلغة بسيطة وواضحة ومباشرة، أن المفهوم معنى وتطبيقا يساوي بين الناس، العامة أو الشعب، ويالها من حجة، ويضعهم على القدر ذاته من الأهمية، صوت لكل مواطن، بافتراض أن هذا الصوت متوفر ومحقق ومضمون بضمانات قانونية وعملية واجتماعية...
يرى هؤلاء أن الديمقراطية تجعل من الرعاع أندادا لمن يسمونهم أو يُعرفون بـ "أهل الحل والعقد" أو "المجمعات الانتخابية" عند آخرين، وفي منظورهم أن هؤلاء الدهماء من العامة لا يمكن أن يتاح لهم الحق في متابعة أمور يتعين أن تختص بها فئة بعينها من الناس، نخب أو رموز، ممن إئتمنهم المجتمع، وشهد لهم بالثقة والحكمة، خاصة أن هؤلاء النخب من أصحاب الدماء الزرقاء تجتمع فيهم سمات معينة كالعلم، وهي المأساة، والمال والنفوذ والمنصب، وهي سمات لا تنطبق بطبيعة الحال على الجموع أو العامة...
رجال الدين هؤلاء، بالرغم من حججهم الداحضة تلك، يرون أن حقوق الناس، أيا ما كانوا، لا يمكن إهدارها، لأنها حقوق إلهية يجب أن تؤدى للجميع، لكن مع إقرارهم بأن هذا الجميع لا يحظى بالقدر ذاته من المساواة في مجتمعهم المنشود، ومن ثم فإن اعتقاد بعض الأفراد أنهم من المجتمع ويتمتعون بالقدر ذاته من الحقوق، هو اعتقاد واه، لأنهم في الحقيقة ليسوا كذلك، إذ إن هناك مواصفات واشتراطات ومعايير للاختيار لابد من توفرها في هؤلاء حتى يتمكنوا من الانضواء تحت لواء هذه النخب المفروزة بعناية ودقة مع استسلام الكل لها..
بالتأكيد أصحاب هذه الأفكار من رجال الدين هم الأكثر تشددا الذين لا يعترفون أصلا بفكرة القومية ولا مدنية الدولة ولا المواطنة ولا عمومية الحقوق والحريات بإطلاقها التي تمس مناطق محظورة في معتقداتهم، وتتعرض لقضايا حساسة تضعهم في مناطق حرجة عند الاختيار أو التأزم، بل وتضطرهم في غالب الأحيان للتخلي عن أية مستحدثات سياسية برمتها دون أن يتنازلوا أو يتراجعوا قيد أنمله عن قناعاتهم العقدية..
صحيح أن الغالب الأعم من رجال الدين المعتمدين، سواء من الرسميين أو من أهل الثقة أو حتى من أولئك الأكثر اعتدالا وربما فهما، يرفضون مثل هذا المنطق الذي يتبناه أخوة لهم في المنهج، ويرون أنه لا يتوافق مع تطورات العصر، وأن حججهم مردود عليها، بل ويعتبرون أن المصلحة تقضي بقبول أفكار ورؤى ونظم واردة من هنا وهناك ما دامت تؤدي الغرض المطلوب منها، وكذلك تفعل الديمقراطية ما دامت تؤمن العدل والمساواة والمسائلة والشفافية..
ما يثير التناقض والحيرة ليس هؤلاء بكل تصنيفاتهم وخصائصهم، وإنما غيرهم من حليقي الذقون، على غرار حليقي الرؤوس من ذوي الاتجاهات اليمينية في بعض الدول الغربية، إذ إن الرافضين للمفهوم والمصطلح والنظام لا يقتصرون فحسب على "أصحاب الدقون" لدينا، كما يسخر منهم البعض، وإنما يشمل أيضا حليقيها، ممن يستيقظ يوميا، وربما في اليوم لأكثر من مرة، لتلميع ذقنه بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة، مدعيا أنه من المبشرين بالديمقراطية، ومن رجالها الأُوُل في البلد، ويحمل على عاتقه الترويج لها، وأحد كبار رافعي راياتها..
يستثيرك هؤلاء بشكل فج، إذ بالرغم من كل الأوهام والشعارات التي يزعمونها حول الديمقراطية المبشر بها، والتي ستفتح لنا أبواب السماء والأرض، لكنهم لا يقبلون بالرأي الآخر، ولا يعترفون بحق أغلبية، بل ويقاومون أي محاولة تفتئت من مراكزهم ومواطن نفوذهم وقوتهم، والأخطر أنهم يدارون، ويلبسون على الناس الحقيقة المرة بأنهم غير ديمقراطيين، ويغلفون ذلك بإطار من الزيف والغش البلاغي بخلاف أولئك الذين أعلنوها صراحة أن الناس غير متساوية، وأنهم يمقتون الديمقراطية، قلبا وقالبا..
نتذكر جميعا الحوارات التي قيلت عن أبناء البطة السوداء بأنهم غير ناضجين للديمقراطية..
كما يحلو للبعض أن يردد بأن الظروف لا تتحمل ديمقراطية..
ويتداول البعض الآخر أحاديث عن أولوية الأمن على ما عداه..
و"الطز" الكبيرة في الديمقراطية إذا كانت "هتجيب لنا وجع الدماغ"..
أو "تخلي العيال دي اللي شبعوا بعد جوعة يحكمونا"..
والثقة في الموجود مهما فعل ورغم بؤسه..
وبالونات الاختبار بتغيير الولاية لست وسبع سنوات بدل أربعة..
وعدم جدوى اي برلمانات مادامت تصدر القرارت المطلوبة في ظل غياب أي رقابة شعبية..
الكثير والكثير، والذي يستند إلى ثقافة راسخة لدينا لا تتوقف عند بتوع الدين فحسب، وإنما تمتد لغيرهم ممن ألفوا العلاقة بين السيد والعبد مادام يلقي إليه بالفتات..
الأمر هنا لا يقتصر على منطقتنا وثقافتنا فحسب، وإنما يبدو أنه يشمل كل الثقافات حتى الغربية منها، التي لا ينطبق المفهوم لديها إلا على مواطنيها، ولا ينصرف إلى الأغيار، خاصة من بداخلها، فما بالنا بخارجها..
يظهر هذا الرفض للمفهوم في أجل صوره هنا في هذه المنقطة المنكوبة، التي على ما يبدو توقف نموها الطبيعي، وانقطع خط تواصلها الحضاري سواء بفعل الأفاعيل أو بفعل الاستعمار والتبعية وحشاكيلهما من بني جلدتنا...
يقع على رأس هؤلاء الرافضين وفي مقدمتهم، رجال الدين خاصتنا الذين يبررون موقفهم الرافض من فكرة الديمقراطية بأسانيد ومبررات شرعية ـ لاهوتية، أيا ما كانت، وفقا لقراءاتهم الشخصية وتأويلاتهم الذاتية لمرجعياتهم...
منها: أن جذور المفهوم تعود لأصول ثقافية وحضارية مختلفة، وربما نجسة، لا تتناسب مع المجتمعات التي يرسمون ملامحها في أذهانهم، وتلبي تطلعاتهم الفكرية والنفسية، ويأملون تحققها بالعودة إلى زمن الماضي الجميل، مثلما يقول الإخوة الإعلاميون فاقدو البصر والبصيرة..
ومنها أيضا، وهو أكثرها أهمية وخطرا، وبلغة بسيطة وواضحة ومباشرة، أن المفهوم معنى وتطبيقا يساوي بين الناس، العامة أو الشعب، ويالها من حجة، ويضعهم على القدر ذاته من الأهمية، صوت لكل مواطن، بافتراض أن هذا الصوت متوفر ومحقق ومضمون بضمانات قانونية وعملية واجتماعية...
يرى هؤلاء أن الديمقراطية تجعل من الرعاع أندادا لمن يسمونهم أو يُعرفون بـ "أهل الحل والعقد" أو "المجمعات الانتخابية" عند آخرين، وفي منظورهم أن هؤلاء الدهماء من العامة لا يمكن أن يتاح لهم الحق في متابعة أمور يتعين أن تختص بها فئة بعينها من الناس، نخب أو رموز، ممن إئتمنهم المجتمع، وشهد لهم بالثقة والحكمة، خاصة أن هؤلاء النخب من أصحاب الدماء الزرقاء تجتمع فيهم سمات معينة كالعلم، وهي المأساة، والمال والنفوذ والمنصب، وهي سمات لا تنطبق بطبيعة الحال على الجموع أو العامة...
رجال الدين هؤلاء، بالرغم من حججهم الداحضة تلك، يرون أن حقوق الناس، أيا ما كانوا، لا يمكن إهدارها، لأنها حقوق إلهية يجب أن تؤدى للجميع، لكن مع إقرارهم بأن هذا الجميع لا يحظى بالقدر ذاته من المساواة في مجتمعهم المنشود، ومن ثم فإن اعتقاد بعض الأفراد أنهم من المجتمع ويتمتعون بالقدر ذاته من الحقوق، هو اعتقاد واه، لأنهم في الحقيقة ليسوا كذلك، إذ إن هناك مواصفات واشتراطات ومعايير للاختيار لابد من توفرها في هؤلاء حتى يتمكنوا من الانضواء تحت لواء هذه النخب المفروزة بعناية ودقة مع استسلام الكل لها..
بالتأكيد أصحاب هذه الأفكار من رجال الدين هم الأكثر تشددا الذين لا يعترفون أصلا بفكرة القومية ولا مدنية الدولة ولا المواطنة ولا عمومية الحقوق والحريات بإطلاقها التي تمس مناطق محظورة في معتقداتهم، وتتعرض لقضايا حساسة تضعهم في مناطق حرجة عند الاختيار أو التأزم، بل وتضطرهم في غالب الأحيان للتخلي عن أية مستحدثات سياسية برمتها دون أن يتنازلوا أو يتراجعوا قيد أنمله عن قناعاتهم العقدية..
صحيح أن الغالب الأعم من رجال الدين المعتمدين، سواء من الرسميين أو من أهل الثقة أو حتى من أولئك الأكثر اعتدالا وربما فهما، يرفضون مثل هذا المنطق الذي يتبناه أخوة لهم في المنهج، ويرون أنه لا يتوافق مع تطورات العصر، وأن حججهم مردود عليها، بل ويعتبرون أن المصلحة تقضي بقبول أفكار ورؤى ونظم واردة من هنا وهناك ما دامت تؤدي الغرض المطلوب منها، وكذلك تفعل الديمقراطية ما دامت تؤمن العدل والمساواة والمسائلة والشفافية..
ما يثير التناقض والحيرة ليس هؤلاء بكل تصنيفاتهم وخصائصهم، وإنما غيرهم من حليقي الذقون، على غرار حليقي الرؤوس من ذوي الاتجاهات اليمينية في بعض الدول الغربية، إذ إن الرافضين للمفهوم والمصطلح والنظام لا يقتصرون فحسب على "أصحاب الدقون" لدينا، كما يسخر منهم البعض، وإنما يشمل أيضا حليقيها، ممن يستيقظ يوميا، وربما في اليوم لأكثر من مرة، لتلميع ذقنه بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة، مدعيا أنه من المبشرين بالديمقراطية، ومن رجالها الأُوُل في البلد، ويحمل على عاتقه الترويج لها، وأحد كبار رافعي راياتها..
يستثيرك هؤلاء بشكل فج، إذ بالرغم من كل الأوهام والشعارات التي يزعمونها حول الديمقراطية المبشر بها، والتي ستفتح لنا أبواب السماء والأرض، لكنهم لا يقبلون بالرأي الآخر، ولا يعترفون بحق أغلبية، بل ويقاومون أي محاولة تفتئت من مراكزهم ومواطن نفوذهم وقوتهم، والأخطر أنهم يدارون، ويلبسون على الناس الحقيقة المرة بأنهم غير ديمقراطيين، ويغلفون ذلك بإطار من الزيف والغش البلاغي بخلاف أولئك الذين أعلنوها صراحة أن الناس غير متساوية، وأنهم يمقتون الديمقراطية، قلبا وقالبا..
نتذكر جميعا الحوارات التي قيلت عن أبناء البطة السوداء بأنهم غير ناضجين للديمقراطية..
كما يحلو للبعض أن يردد بأن الظروف لا تتحمل ديمقراطية..
ويتداول البعض الآخر أحاديث عن أولوية الأمن على ما عداه..
و"الطز" الكبيرة في الديمقراطية إذا كانت "هتجيب لنا وجع الدماغ"..
أو "تخلي العيال دي اللي شبعوا بعد جوعة يحكمونا"..
والثقة في الموجود مهما فعل ورغم بؤسه..
وبالونات الاختبار بتغيير الولاية لست وسبع سنوات بدل أربعة..
وعدم جدوى اي برلمانات مادامت تصدر القرارت المطلوبة في ظل غياب أي رقابة شعبية..
الكثير والكثير، والذي يستند إلى ثقافة راسخة لدينا لا تتوقف عند بتوع الدين فحسب، وإنما تمتد لغيرهم ممن ألفوا العلاقة بين السيد والعبد مادام يلقي إليه بالفتات..