الاثنين، 28 أبريل 2014

مصر تؤدب المصريين

المصريون تجاوزوا الأدب وخرجوا على رب نعمتهم..
ليس من حقهم ولا في إمكانهم أن يكرروا فعلتهم تلك من جديد..
عليهم أن يعودوا أدراجهم منبوذين لاهثين مستمتعين بدفء عائلاتهم المفككة وأبنائهم الأشقياء ومساكنهم المهدمة ومعيشتهم اللا إنسانية غير الكافية..
ومن يمتنع منهم العودة للـ "الكنبة" ويصر على العمل السياسي مدليا برأيه خارجا في تظاهرة واقفا في اعتصام معلنا الإضراب، فعليه أن يتحمل ما جنت يداه..

هذه هي اللغة التي تتحدث بها الدولة المصرية الآن، وإن كانت بصورة أكثر قسوة مما تعبر عنه هذه الكلمات..

انظر لسيل الإجراءات والقرارات التي اُتخذت منذ يناير 2011 وحتى الآن، تجد حماة الأمن وحراس العقيدة في مواقعهم المختلفة، وليس فقط في المؤسسات السيادية والقوة والردع، وإنما حتى على مستوى مؤسسات التنشئة والتوجيه والتوعية في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة، فضلا عن الإعلام  الذي يطعمنا "البالوظة والأونطة" كل دقيقة، والاقتصاد الذي يذلنا بجنيهات لا تسد جوع ولا تؤمن من خوف بعد أن تستنزفنا وتستغلنا وتهدر حقوقنا..

تجد كل هؤلاء وفي نبرة منتظمة تعكس الاتفاق الصريح فيما بينهم يخبرونك بأنك إن لم تعد إلى سابق عهدك مؤمنا بقدرك راضيا بما يلقى لك، فإنك لن تجد منا إلا كل أذى وتضييق وحرمان..

وياليت العقاب يقتصر على القتل أو الحرق أو السجن او الملاحقة والاضطهاد والطرد و و و و و ، أو حتى منعك من ممارسة حقوقك "المعنوية" المهدرة في أن يكون لك رأي تعبر عنه وتدلي به في المواقع والمحافل المختلفة ويُحترم هذا الرأي بل وتطالب به على اعتبار لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير في هؤلاء إن لم يسمعوها..

وياليت العقاب أيضا يقتصر فقط على هؤلاء قليلي الأدب الذي لم يربوهم أهاليهم ويسببون لهم "الحرج" بين الناس، والذين يصرون على التطاول على أسيادهم، ويحاولون خرق تقاليد بالية تكرس من الثقافة الرعوية الأبوية الاستبدادية التى ترى ما لا نرى، وتفرض عليك احترام أشياء لا تستحق أن تحترم، ولا يتعين عليك أن تطيعها، أو تلتزم بمنطقها أصلا..

وإنما امتدت يد العقاب لتشمل الجميع، السائرين نياما من بتوع حزب الكنبة والمثبطين الشامتين الذين يعتقدون أن ما نمر به هو نتيجة ما اقترفته أيادينا الآثمة، فضلا عن الذين يحاولون أن يعيشوا كبشر ينتمون للإنسانية باعتبارهم من أعلى الأجناس في السلسلة الغذائية، وإن كان الأمر مشكوك في صحته علميا ونظريا..

كما تجاوزت آلة التأديب العقابية الجهنمية الحقوق المعنوية لتشمل الحقوق المادية الطبيعية المكفولة للإنسان المصري المركوب كحيوان يتمنى أن يأكل ويشرب وينام، وإلا بماذا نفسر هذا التضخم والمغالاة في الأسعار وعدم قدرة الدولة على السيطرة على جشع التجار بل وسائقي المكروباصات..

جملة اعتراضية: تستطيع الدولة السيطرة على الإخوان والمعارضين وتدجين غالبيتهم بعصا القتل والسجن وجزرة المال والمنصب، لكنها لا تملك أداة وحيدة توقف بها هذا النزيف في مالية المصري الذي لا يستطيع شراء ما يكفيه بما هو متاح له من أوراق نقدية جمعها من جيوب غيره بالنوم تارة والرشوة تارة ثانية..

مصر تؤدب "رعاياها" غير المتربيين حتى لا يتورطوا فيما لا تحمد عقباه، ويطالبوا في المستقبل بجزء ولو بسيط من كعكة مدينتي بدلا من العشوائيات، وكعكة المدارس والجامعات الخاصة بدلا من الفصول المكدسة والتعليم الذي بحاجة إلى تعليم، وكعكة المناصب والنفوذ في الأجهزة التي يقتصر التعيين فيها على الأبناء ومن يدفع أكثر..

وللتذكير فقط: يشار إلى أنه بعد أن تم حظر الإخوان وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، وملاحقة المنتسبين إليها والمتعاطفين معها، وفرض قانون منع التظاهر، وسجن نشطاء سياسيين كبار كان لهم دورهم في يناير 2011، يأتي الآن حظر جماعة 6 إبريل، والذي سيتلوه قرارات أكثر ردعا لهؤلاء المصريين الأنذال الذين تجرأوا على المطالبة بقدر يسير من حقوقهم الضائعة..