الأربعاء، 21 مايو 2014

"ضيعونا" و"ضيعوا" البلد!

يحدثك بنبرة تملؤها الأسى، ويقول لك منفطر القلب "ضيعونا" و"ضيعوا" البلد!

تحاول أن تستوضح منه هذه القناعة التي يؤمن بها باعتبارها من المسلمات لديه، ولا يحملها وحده، وإنما يحملها آخرون لا يقلون عنه مهابة ونفوذا ومالا ومركزا..

تقول له: من؟ ولماذا؟ وكيف؟

ولأنه لا يعي كثيرا ما ينطق به، ليس لأنه "مَدّهول" ولا "سكران" ولا "شارب" سجارة بني، ولا لأنه يحمل همَّ الدنيا كشأن غالبية المصريين الذين يسيرون وعلى وجوههم "نضرة" التلوث واليأس والحاجة والبحث عن مستقبل آخر لا يجيء وضوء في نهاية نفق معتم..

ولكن لأنه يحاول أن يعيش "وهما" يحلو له  أن يتغنى به رغم أنه لم يأخذ منه شيئا، ولم يحصل منه معروفا واحدا، بل إنه مستغرق في هذا "الوهم" متقمصا إياه باعتباره بر الأمان الذي يعفيه من الإجابة عن حقيقة التساؤلات التي تؤرقه ليل نهار..

قلت له موضحا استفهامه: مَنْ هؤلاء الذين ضيعوا البلد "الضائعة" أصلا منذ أمد، منذ عصور فجرها الأول، ولا يحمل وزرها لا ناصر ولا السادات ولا مبارك ولا مرسي ولا السيسي فحسب، ومن على شاكلتهم ممن حكمها قديما وحديثا ومعاصرةً، وإنما يحمل وزرها كل المصريين، الذين تركوا الحبل على غاربه لهؤلاء وغيرهم ينهبونها ويتركونها عالة على الآخرين؟

ولماذا تعتقد أن هؤلاء دون غيرهم قاموا بـ "تضييعها"، ألأنهم لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا وقاموا بالتعليق عليها بالنقد تارة والسخرية تارة أخرى، أم لأنهم لا يرون سوى الجانب الآخر من الصورة ويحاولون قدر إمكانهم ورغم الصعوبات التي تواجههم، وأقلها الخوف من المجهول، أن يبرزوه للناس الذين ملوا سماع المقطع الواحد، أم لأنهم خرجوا بكل صور الخروج المتاحة لديهم ليعبروا عن مخاوفهم من وضع متأزم وتطلعاتهم في مستقبل أكثر أملا؟

وكيف "ضيعوها"، هل لمجرد أنهم قالوا قولة الحق قدر ما يستطيعون، ولم ينساقوا وراء الأرجوزات الهتيفة الذين أغرقوا البلد في متاهة الجدل البيزنطي العقيم، أم لأنهم ـ في كثير منهم ـ لم ينالوا جزاءا ولا شكورا لوقفاتهم وتحركاتهم، أم لأنهم لم يتركوا النافذين الفاسدين وشبكات تحالفهم وارتباطاتهم وامتداداتهم يرفلون في نعيم ما نهبوه من ثروات البلد وقوت أهله؟

نظر إلي محدقا بنظراته العابسة المتجهمة المندهشة والمستفزة ـ كل ذلك في آن، لا أدري كيف، ربما لأنه يستطيع أن يجمع بين كل المتناقضات في حياته، وقادر في لحظة واحدة أن ينقلب بين حال وآخر ـ وقال لي: أنت ها تتفلسف(من التفلسف، ههه)؟ أنا ناقصك أنت كمان؟ مش كفاية علينا هؤلاء اللي ضيعوا البلد بدعوى التغيير؟! وضيعوا علينا "نعمة" الركون للوداعة والنوم في "البصل" من غير ما نسأل ولا نُسأل؟