الثلاثاء، 27 مايو 2014

نبوية وفرح الانتخابات

الظواهر الاجتماعية في مصر عديدة، وتبدو هذه الظواهر جلية واضحة عند الانتخابات أو "الفرح" الذي يسبقها ويليها وفي أثنائها بالطبع، خاصة إذا كانت هذه الانتخابات تقرر واقعا، وتؤكد حقيقة أن المال والنفوذ سيبقيان يسودان ويسيطران، وليس لغيرهما كالشخصية والمواقف والبرامج الحق في الظهور أو الوجود أصلا..

لا تعدم منطقة في مصر، شعبية كانت أو راقية، إذا اعتبرنا أنه لا زالت توجد أماكن راقية، إلا وتجد فيها مثل هؤلاء الذين يقتاتون باللف والدوران على الغير من أجل مصلحة ما أو طمعا في مكرمة أو غير ذلك، سيما إذا كان هذا الغير يملك القدرة على المنح والمنع، ويستطيع بفضل مصانعه وأمواله وعلاقاته ـ حتى لو كانت محدودة في نظر البعض، لكنها ليست كذلك في نظر الملتفين حوله ـ أن يغدق على مريديه وينعم عليهم بقطعة قماش "كستور" درجة تالتة أو حتة لحمة "كرتون" أُكلت من قبل..

اُتهم الإخوان خصوصا والإسلاميين عموما بأنهم أساتذة في الرشى الانتخابية سواء بـ "أزايز" الزيت أو "أكياس" السكر، فضلا عن المساعدات المادية والعينية التي كانوا ولا زالوا يقدمونها لأبناء المناطق الشعبية التي يتواجدون فيها وينطلقون منها لإثبات قوتهم وثقلهم على الساحة..

وها هي حملة الرئيس القادم تنفي عن نفسها أنها قامت بتوزيع "لمبات" موفرة للطاقة على الناخبين في بعض مناطق الجمهورية قبل انطلاق فرح الانتخابات في إشارة واضحة إلى أن المصريين لا يتحركون إلا بدافع مادي بحت، ولم يكتفوا بذلك، بل منحوهم أجازة مدفوعة في اليوم الثاني للانتخابات حتى يمنُّوا عليهم ويذهبوا لصناديق الاقتراع التي يبدو أنها لا تجذب أحدا ما دام لا يقوم بدفع حساب المشاريب الشاي والحلاوة على غرار "أبجني تجدني" و "إذا أرت أن تنجز فعليك بالونجز"..

وهذا الأسلوب لم يكن للإخوان أو غيرهم الفضل في ابتكاره، ولكن النشأة الأولى له تعود لمبدعي مصر من النظام السابق بأشكالهم المختلفة، المدنية منها والعسكرية، الذين يعودون الآن وبكثافة إلى الساحة تدعيما لمصالحهم، وطمعا في ركوب موجة النظام القادم الذي يحارب الإرهاب وسيعيد الأمن والاستقرار للبلد الموكوسة بهم..

تذكروا جيدا ما كان يقوم به هؤلاء أثناء انتخابات "الحزب الوطني" أو  ـ الفلول الآن ـ في شتى أرجاء مصر، حيث يتولى الموسور حالا سواء كان مرشحا في انتخابات أو مربوطا بواحد منهم بالصرف والإنفاق ببذخ على مجموعة من أفراد الشعب "المهروس" الذي قد لا يجد قوت يومه، وذلك في مقابل تقديم بعض الخدمات التي لا يطلبها سوى هؤلاء الموسورين، وهي خدمات تتراوح بين الصراخ أو قل الهتاف والرقص والغناء وحتى البلطجة وكسر واقتحام المقار والدعايا الانتخابية للمنافسين وتأديب المعارضين وغير ذلك..

وهؤلاء المهروسون يقومون بذلك لأكثر من دافع، قد يكون منها أنهم يعملون لدى الموسور في إقطاعياته ومشاريعه ومصانعه، وربما لأنهم ينتظرون هبة ما يمكن أن تُغدَق عليهم من جراء تأييدهم للموسورين ومناصرتهم لأعوانهم في الانتخابات بكل أنواعها ومستوياتها، ومن الممكن أنهم لا يعرفون غير هذا العمل المطلوب منهم أن يؤدوه كعادة البعض الذين ينتظرون ثراء سريعا أو كسبا دون عمل،أو لأنهم في الأصل "سوابق" ومجرمين عتاة، ولا يقومون سوى بالأعمال القذرة التي لا يستطيع النافذون القيام بها، أو في النهاية لأنهم قادرون لأسباب عديدة على اجتذاب الوضعاء من حولهم يحركونهم بلقمة أو بورقة بـ "مية أو متين"..

في منطقتنا الغارقة في الشعبية، ولا تعرف ما إذا كانت مدينة أم قرية أم منطقة صناعية، كنا نجد هؤلاء بكثرة في زفة الانتخابات يدورون في الحواري والشوارع على الأقدام وحاليا بالتكاتك(جمع تكتك) والموتوسيكلات الصيني، يحيط بهم الأسافل والراغبون في الاستفادة يطبلون ويزمرون ويرقصون ويهتفون، وهدفهم تحريك الناس، الضعفاء منهم تحديدا، وخلق اتجاه لديهم بضرورة التصويت وانتخاب مرشحهم الذي يعدهم فقط بقطعة القماش "الكستور" وحتة اللحمة المستوردة التي تشعر وأنت تأكلها أنها كالكرتون "متاكلة قبل كدة"..

ما نراه الآن على شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد من طبل وزمر وهتاف لا يخرج كثيرا عن الحالة التي عاشها أغلب المصريين الفقراء المطروحين أرضا عندما كانوا ينتظرون بفارغ الصبر موسم الانتخابات حتى يستطيعوا أن يروا قطعة اللحم التي سينالونها أو قطعة القماش التي سيجددون بها لباسهم حتى لو كانت قطعة "الدمور" التي كانت قبل سويعات قليلة من الانتخابات مجرد يافطة مكتوب فوقها "انتخبوا ابنكم البار ابن الدايرة"..