الأربعاء، 25 يونيو 2014

الموظف العام خدمة لا منة

تضطر في مراحل كثيرة من حياتك إلى اللجوء لمراجعة واحدة على الأقل من مؤسسات وأجهزة ومنظمات البيروقراطية المصرية بمستوياتها ومسمياتها المختلفة وفي شتى قطاعاتها وأيضا في الداخل والخارج على السواء..

ولا يخفى بالطبع ما يقال عن هذه المؤسسات التي من المفترض أن تكون أدوات خدمية تزيد من مستوى رضا المواطنين عن أداء أجهزة الحكم، حيث توصف بأنها من أعتى البيروقراطيات في العالم، من حيث التعقيد وطول الإجراءات، فضلا بالطبع عن تدني مستوى الإنتاجية والفاعلية..

بل وتعد في رأينا وسيلة تأديب وتهذيب وإصلاح ناجعة تتبناها الدولة لتعقب مواطنيها وملاحقتهم ووضعهم دوما تحت نظرها بدعوى التنظيم ورعاية شؤونهم من ناحية، وإدخال وربما تسلل  ـ أو عفوا إقحام ـ يديها في جيب المواطن تحت دعاوى شتى كالرسوم التي يجب أن تتلقاها عن الخدمة التي تقدمها له و"جباية" المكوس أو الإتاوة أو الضرائب حسبما تريد أن تصفها..

ويعلم المصريون جميعا أنهم لا يمكنهم الفكاك من الطوق الذي تفرضه هذه الأجهزة الممتدة والعميقة بصدق، بل ولا يمكنهم حتى الاستغناء عنها إذا ما أرادوا الفرار أو الابتعاد بعيدا عن خدماتها الضرورية التي يصعب في كثير من الأحيان الحياة أو حتى الموت بدونها..

وتتردد أقاويل شعبية كثيرة حول هذه المعاني وتتداول بشكل فج، ويكفي أن يقول أحدهم أن الخارج منها مولود والداخل مفقود، أوعندما يتباهى أحدهم ويدَّعي حمد الله عز وجل لأنه لم يدخل قسما في حياته، مع التأكيد على أن القسم المقصود ليس قسم المحاسبة ولا الشؤون الإدارية، وإنما قسم الشرطة، مع الفارق بالطبع، رغم أنها كلها أجهزة للدولة تؤدي الدور ذاته..

وإذا ما كانت هذه الأجهزة في عمومها والقائمون عليها والعاملون بها يعتقدون أنهم يؤدون المطلوب منهم، أو حسب الوقت والرواتب (على قد فلوسهم) والتجهيزات المتاحة لهم، وهي تبريرات حقيقية بالفعل،  فإنهم لا يغفلون أيضا أن يؤدوا الدور الأكبر لهم، والمطلوب منهم أيضا أن يؤدوه، وهو تذكير المواطن دوما بفضل الدولة عليه من جهة وبـ "الجرعة" التي يتعين عليه أن يتعاطاها منها من جهة ثانية حتى لا يخرج عن الطوق ويظل أسيرا لها، وهي جرعة شأنها شأن جرعات التأديب الأخرى التي يتلقاها من أقسى وأقدم وأعتق الاستبداديات والشموليات والديكتاتوريات في البسيطة..

وبعيدا عن أن هذه الأجهزة العتيدة تمثل واحدة من آليات الدولة العميقة في أي بلد، أو أنها الدولة العميقة نفسها التي صدعوا رأسنا بها في "بلادهم" طوال السنوات السابقة وحتى الآن، فإنها تمارس دورا حيويا مفهوما، وربما يكون مبررا أيضا، وذلك لإرضاء فئة معينة من البشر الذين "يتمرغون في تراب الميري"، ولو بالقليل، حتى يكونوا أعوانا وسندا لها في الملمات والمصائب التي زادت وستزيد بكثرة في الأيام المقبلة، هذا فضلا بالطبع عن تسيير العمل بوتيرته الطبيعية في الأجهزة المختلفة، إذ لا تقوم للدولة قائمة إلا بهؤلاء الموظفين..

وقد تحدث كثيرون واستفاضوا عن مدى قدرة الموظف في مثل هذه الأجهزة البيروقراطية، وهم كثر، على تعقيد حياة أخيه المواطن، وكأنه وعد مكتوب سواء على الموظف نفسه أو من يحتاج خدمة نظامية منه..

ومفاد هذا الوعد بأن العمل المطلوب أو الورق الذي سيتم تخليصه من الموظف أو الخدمة التي سيتلقاها المواطن، لابد لها من ثمن ومقابل على الطرفين أن يدفعونه، ففي مقابل الراتب الذي يكفي بالكاد والمحصل من كد المراجع، بالأساس، فإن هذا الأخير يضمن حتى ولو بعد عناء أن معاملته ستنتهي..

والمعروف هنا، كما يكشف الواقع المؤلم، أن من بين متطلبات وتوصيف الوظيفة العامة واشتراطات التعيين فيها أن يكون المسؤول عنها قادرا على إرغامك أنت كمواطن على التحول في غفلة من الزمان إما إلى "إرهابي" أو "مغفل"، مثلما تحدثت الأفلام المصرية عن المواطن الغلبان في "الإرهاب والكباب" وغيره، الذي ربما يقبل بأشياء لا يمكن القبول بها لمجرد أن تقضى مصلحته..

وهنا لا تعدم واحدا من هؤلاء الموظفين إلا ولك معه مشكلة، أو تسبب لك، أو تسببت له في مشكلة، أو رضيت باستغفاله لك تحت دعوى الشاي والوهبة والإكرامية والأولاد والمعيشة والدنيا..

والحقيقة أن هناك ما يتعين معرفته لتفسير ما يقوم به الموظف البيروقراطي في الأجهزة البيروقراطية من تعقيد، إذ لا يخفى:
أن كثيرا منهم إما غير مؤهل، ولا يصلح لأداء العمل كموظف عام..
وإما أنه دخل الوظيفة العامة من باب الواسطة والعلاقات الواسعة التي تبرر له عدم العمل..
أو أن ظروف العمل لا تتيح له بالفعل أداء المهام المطلوبة منه بالفعالية المطلوبة..
أو أنه مقيد من جانب رؤسائه والقوانين القائمة التي تصر عليه ألا يتصرف وحده..
أو أنه يخشى تحمل المسؤولية حتى لا يقدم ككبش فداء عند أول إحالة للشؤون القانونية..
أو أنه لا يعرف أصلا كيف تعالج المشكلة، ولم تطرأ عليه حالة سابقة تمكنه من التعامل بشكل جيد مع أية مستجدات..