‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثقافة سياسية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثقافة سياسية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 11 يناير 2015

مخارج إبراء الذمم

تقديم يد العون للضعفاء..
ضرورة إنقاذهم مما يلقونه من أهوال وبلاء..

نلوم أنفسنا عند اشتداد الملمات..
نبدع في خصومة الغير لدى المصائب..

نتجه للحلقة الأضعف وإلقاء اللوم عليها..
نحملها المسؤولية لأزمات حصارنا النفسي..

سبيل النجاة الوحيد بعيدا عن كل تلك المخارج السهلة..
من دعوات ومطالبات ونداءات وسلوكيات ضارة مضرة..
التي لا يمكن اعتبارها إلا محاولة فاشلة لإبراء الذمم الخربة..

هو البحث عن مكمن المشكلة الرئيسي والتعاطي معه..

لا سبيل للوصول للحلول الناجعة إلا عبر تجرع السم القاتل..
المواجهة الحقيقية والفعلية للجذور والبواعث..
وليس مجرد الأعراض والمظاهر الشكلية..



الخميس، 8 يناير 2015

اسمع واترك

إلقاء محاضرة أو عظة، تحديدا، يستلزم أمورا..
ليس من بينها امتلاك ناصية العلم المتخصص..
ولا ثقة في نفس وجرأة على اقتحام الآخرين..
أو النطاعة والبرود كما يطيب لي أن أسميها...

وإنما بحاجة إلى أكثر من مجرد طلاقة لسان..
ولباقة صاحبه من حيث مظهره وحضوره..

حيث تتطلب إيمان راسخ لا يتزعزع بما يقال..
إيمان يصدقه الواقع العملي ويراه الناس ويتلمسونه..

رغبة أكيدة للاستماع والإنصات تعكس الانتباه والاهتمام..
إصرار على التعلم مما قيل وتطبيقه على الأرض..

تواضع يملؤه يقين ثابت في القلب بالتواصل مع الآخر..
وبعدم الكبر أو التطاول على خلق الله..
خاصة بين المتحدث والمتحدث إليهم..

كثير من المتحدثين اللبقين ذوي الحضور..
لا يحظون بأي ثقة عند مستمعيهم..
ولا يتمتعون بذرة من إيمان بما يلوكونه بألسنتهم..
ولدى الناس قناعة مطلقة بأنهم منتفعون بما  ينضحون به..

وكثير من المتحدث إليهم مضطرون للحضور والاستماع..
لا عن قناعة ورغبة في الاستفادة والتغير..
وإنما استجابة لروتين دوري يقومون به..
التزام رسمي وربما عرفي بالتواجد المادي..
مجرد الحضور وإشغال الحيز المكاني المخصصص..
غافلون عن حقيقة ما قيل أو يقال..

قادرون على تجسيد المثل الشعبي الفصيح..
ودن من طين..
وأخرى من عجين..



الخميس، 25 ديسمبر 2014

جنة السلطة

ربما يكون مفهوما أن يحاربوا المؤدلجين العقديين..
سيما منهم الإسلامويين اللادولتيين..
مثلما يقول الإخوة المثأفون..

لكن لماذا يحاربوا غيرهم من أبناء جلدتهم..

يبدو أن الانتصار للمبادئ والقيم..
وتحاشي الخنوع ورفض الظلم..
يوجع البعض..

ويجعل كل من يطالب بحق في كفة واحدة..
تستحق القتل والرجم..
والبعد عن مواطن العفة..
أقصد السلطة والنفوذ...

الاثنين، 1 ديسمبر 2014

واهمون

عادتنا ولن نشتريها..
دائما وأبدا نحمل أحدا أو جهة ما المسؤولية عن كل ما يحدث..
فهي وسيلة تعويضية تؤمن لنا الهدوء والاستقرار النفسي..
وسط زحمة ما نلقاه يوميا من مآس، شخصية وغير ذلك..

لفترة قلنا الفلول، وأتبعناهم بالطرف الثالث..
ثم تلا ذلك الإخوان خاصة والإسلاميين عامة..
وما زال هؤلاء يتلقون ما لم يكونوا يحتسبون..
وها نحن الآن نحمل مريدي حزب الكنبة..
ما نتعرض له من ويلات ومصائب..

لكننا في الحقيقة، نظلم كثيرا مريدي حزب الكنبة..
مثلما ظلمنا ونظلم غيرهم..
ونحملهم وحدهم ما لا طاقة لهم به..
وهم بجانب ذلك يرفضون أن يكونوا كبش فداء كغيرهم..

ورغم أن قطاعا كبيرا منا ينتمون لهذا الحزب..
الوديع المسالم..

لكن من الخطأ الظن أن هؤلاء وحدهم..
من يأنسون الوداعة ويتلذذون طعم الراحة..
قانعون بالسلامة قابعون في المؤخرة..
هانئون بالمشي بجانب الحيط أو بداخله..
لن تفرق كثيرا، فهم على هامش الوعي..
وربما يبعدون عنه أميال وأميال..
آمنون في سربهم عندهم قوت شهرهم..

وإنما هناك غيرهم أيضا يسلكون المسلك ذاته..
ممن يزعمون أنهم من المهتمين والمتابعين..
ويدعون أنهم من قادة الرأي والكلمة..
ولو على مستوى الأقران..
وشلل، يجوز الكسر والفتح، الضعفاء..

هؤلاء يرون ما لا يراه غيرهم..
ويعتقدون أنهم أبرأوا ذممهم..
وخلصوا ضمائرهم بما يقومون وما لا يقومون به..
أو بما يسطرونه ويعبرون عنه..
وفوق ذلك يؤمنون..
بأنهم أدوا بما يفترض أن يؤدوه..
ولا يطالبهم أحد بأكثر من ذلك..

وأن الغير يتحمل مسؤولية ما نقع فيه جميعا..
مطمئنين واثقين أن الدائرة لن تدور عليهم..
وهم في ذلك واهمون..


الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

المرمى التركي حصالة أهداف في سباق الفراعنة للنهائيات

المنتخب المصري يكتسح نظيره التركي
ويسجل في مرماه دزينة أهداف في لقاء السحاب
ورياضيون يصفون الانتصار بأنه عاشر من أكتوبر جديد

الخميس، 30 أكتوبر 2014

المعركة لن تنتهي

صوت المعركة يعلو على ما عداه..
يَدُق في آذاننا منذ أن حيينا على وجه الأرض..
لم يصمت بعد، ويبدو أنه لن يصمت..
يزداد وقْع دقَّه الآن وبنغمات مختلفة حسب رغبة الزبون..
تارة بالطبل وتارة بالزمر...
وأخرى بـ"الضرب" بألوانه الشتى، معنويا وماديا..

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة...
التي بحاجة للتكاتف والتضامن لخوضها...
وحتى يمكن مواجهة أنفسنا باعتبارنا "أعداء" لمعركة لا تنتهي..

نريد أن نرتاح قليلا، وننسحب ولو للحظات من هذه المعركة..
نريد أن نبعد بعيدا، ولو عن أصواتها التي ما فتئت تَرن حتى صُمت آذاننا..
نريد أن يخوضوها بعيدا عنا دون أن يورطونا فيها، أو أن نتحمل أيا من عواقبها..
نريد التحصن كغيرنا بانتهازيتنا وأنامليتنا..

لغة المعركة وأصواتها انتهت، ولم يعد أحد يستخدمها..
سوى هنا، وما أدراك ما هنا..


الجمعة، 8 أغسطس 2014

رفاهة الرفض

منذ فترة ليست بالقصيرة، أصيب بالملل..

ليس فقط لإحساسه بالرغبة في التطور وتحسين الأحوال وتغيير المآل..
ولأن الوضع بالنسبة له دون الطموح المنتظر..
ولأن هذا الوضع لا يختلف كثيرا عن غيره باعتبارها جميعا من أدوات الإصابة بالإحباط واستنفاد الطاقة والجهد..
وانعكاسا ـ اي هذا الوضع ـ لممارسات الاستغلال التي تحفل بها الساحة حتى من صغار البرجوازيين كالبقال الذي بجوارك والحرفي الذي لا يعيرك بالا عندما تحتاجه ولا تستطيع محادثته لانشغاله الشديد رغم أنهم لا يعيشون إلا بوضع أيديهم في جيبك..
واستمرارا ـ أي هذا الوضع أيضا ـ لضغوط الحاجة لحد أدنى من المعاش الذي يمكن أن يلبي له احتياجات الأفواه التي تتقوت من ورائه...

ليس فقط لكل ذلك أصيب بهذه الحالة، التي يبدو أنها حالة عامة أصابت قطاعا كبيرا من المصريين، وإنما لأنه كان وما زال يأمل في مزيد من الراحة والأنتخة، ذلك التعبير المصري الحصيف الذي لا يعبر سوى عن ثقافة النوم والكسل والعجز، فضلا عن البحث الدؤوب ودون جدوى عن التقدير الكافي الضائع لقاء الجهد القليل الذي يبذله..

المصري الجديد يتغافل عن حقيقة راسخة، وهي أن هذه الراحة والأنتخة التي يحبذها لن تنقذه من هذا الشعور القاتل بعدم الجدوى، وأن السبيل الوحيد لتلافي هذا الإحساس هو بالمشاركة وبالإيجابية الكافية في الشأن العام بدلا من هذه الثقافة الأناميلية المصرية الأصيلة..

هل هناك أدنى شك في أن شعور الملل والإحباط والكسل والقرف من كل شيء، لم يعد يتسرب إليه، بل بات متغلغلا في داخله، متجذرا في أعماقه، مسيطرا على جوارحه وحواسه..

الحقيقة أنه فكر في الأمر كثيرا، ولم يعد أمامه أي خيار سوى تغيير هذه القيم الثقافية البالية، والتخلص منها...

وهو في مسعاه ذاك مطالب بالتحرك سريعا حتى لا يتهم بأنه يعيد اجترار تجاربه السيئة، وارتكاب أخطائه القاتلة مرات ومرات التي جعلت رعاته من السلطات الأبوية في كل أشكالها ومستوياتها، والتي تتسيد عليه منذ مولده ومولد أجداده يسيرون في مسارهم المستغل لحياته ومقدراته دون أي جزاء سوى القتل والتشريد والملاحقة والتأديب المستمر..

نعم عملية تأديب متواصلة يتعرض له المصري يوميا حتى وصل الأمر للمطالبة بالعودة لطبيعته الأولى بداية من الكهرباء ومن ثم المياه التي يتم قطعها لثلاث مرات في اليوم الواحد، وتختص بها المناطق الفقيرة دون غيرها، والمطالبة بمزاحمة سيارات مستهلكة وسائقين مبرشمين قرفانين بعجلة في شوارع القاهرة المهروسة، والدعوة للجوء ثانية لطشت الغسيل بدلا من الغسالات، والمقشة الليف بدلا من المكنسة، والباجور لتسخين المياه بدلا من السخانات، ناهيك عن استمرار الجباية لخدمات لا يتلقاها، والتنكيل به لمجرد أنه يطالب بتحسينها....

 لقد باتت لديه القناعة بأنه سيظل هكذا يعاني ويشكو، وأنه دون أن يملك رفاهة رفض أي من هذا، وتبني ثقافة بديلة تجعله يأبى كل هذا، فسيظل قانعا راضيا بالسقوط، قابعا في القاع، دون أمل في غد آخر مختلف مرددا لنفسه، وكما يقولون: ياعزيزي لن تسقط، ما دمت في القاع.....

الأربعاء، 25 يونيو 2014

الموظف العام خدمة لا منة

تضطر في مراحل كثيرة من حياتك إلى اللجوء لمراجعة واحدة على الأقل من مؤسسات وأجهزة ومنظمات البيروقراطية المصرية بمستوياتها ومسمياتها المختلفة وفي شتى قطاعاتها وأيضا في الداخل والخارج على السواء..

ولا يخفى بالطبع ما يقال عن هذه المؤسسات التي من المفترض أن تكون أدوات خدمية تزيد من مستوى رضا المواطنين عن أداء أجهزة الحكم، حيث توصف بأنها من أعتى البيروقراطيات في العالم، من حيث التعقيد وطول الإجراءات، فضلا بالطبع عن تدني مستوى الإنتاجية والفاعلية..

بل وتعد في رأينا وسيلة تأديب وتهذيب وإصلاح ناجعة تتبناها الدولة لتعقب مواطنيها وملاحقتهم ووضعهم دوما تحت نظرها بدعوى التنظيم ورعاية شؤونهم من ناحية، وإدخال وربما تسلل  ـ أو عفوا إقحام ـ يديها في جيب المواطن تحت دعاوى شتى كالرسوم التي يجب أن تتلقاها عن الخدمة التي تقدمها له و"جباية" المكوس أو الإتاوة أو الضرائب حسبما تريد أن تصفها..

ويعلم المصريون جميعا أنهم لا يمكنهم الفكاك من الطوق الذي تفرضه هذه الأجهزة الممتدة والعميقة بصدق، بل ولا يمكنهم حتى الاستغناء عنها إذا ما أرادوا الفرار أو الابتعاد بعيدا عن خدماتها الضرورية التي يصعب في كثير من الأحيان الحياة أو حتى الموت بدونها..

وتتردد أقاويل شعبية كثيرة حول هذه المعاني وتتداول بشكل فج، ويكفي أن يقول أحدهم أن الخارج منها مولود والداخل مفقود، أوعندما يتباهى أحدهم ويدَّعي حمد الله عز وجل لأنه لم يدخل قسما في حياته، مع التأكيد على أن القسم المقصود ليس قسم المحاسبة ولا الشؤون الإدارية، وإنما قسم الشرطة، مع الفارق بالطبع، رغم أنها كلها أجهزة للدولة تؤدي الدور ذاته..

وإذا ما كانت هذه الأجهزة في عمومها والقائمون عليها والعاملون بها يعتقدون أنهم يؤدون المطلوب منهم، أو حسب الوقت والرواتب (على قد فلوسهم) والتجهيزات المتاحة لهم، وهي تبريرات حقيقية بالفعل،  فإنهم لا يغفلون أيضا أن يؤدوا الدور الأكبر لهم، والمطلوب منهم أيضا أن يؤدوه، وهو تذكير المواطن دوما بفضل الدولة عليه من جهة وبـ "الجرعة" التي يتعين عليه أن يتعاطاها منها من جهة ثانية حتى لا يخرج عن الطوق ويظل أسيرا لها، وهي جرعة شأنها شأن جرعات التأديب الأخرى التي يتلقاها من أقسى وأقدم وأعتق الاستبداديات والشموليات والديكتاتوريات في البسيطة..

وبعيدا عن أن هذه الأجهزة العتيدة تمثل واحدة من آليات الدولة العميقة في أي بلد، أو أنها الدولة العميقة نفسها التي صدعوا رأسنا بها في "بلادهم" طوال السنوات السابقة وحتى الآن، فإنها تمارس دورا حيويا مفهوما، وربما يكون مبررا أيضا، وذلك لإرضاء فئة معينة من البشر الذين "يتمرغون في تراب الميري"، ولو بالقليل، حتى يكونوا أعوانا وسندا لها في الملمات والمصائب التي زادت وستزيد بكثرة في الأيام المقبلة، هذا فضلا بالطبع عن تسيير العمل بوتيرته الطبيعية في الأجهزة المختلفة، إذ لا تقوم للدولة قائمة إلا بهؤلاء الموظفين..

وقد تحدث كثيرون واستفاضوا عن مدى قدرة الموظف في مثل هذه الأجهزة البيروقراطية، وهم كثر، على تعقيد حياة أخيه المواطن، وكأنه وعد مكتوب سواء على الموظف نفسه أو من يحتاج خدمة نظامية منه..

ومفاد هذا الوعد بأن العمل المطلوب أو الورق الذي سيتم تخليصه من الموظف أو الخدمة التي سيتلقاها المواطن، لابد لها من ثمن ومقابل على الطرفين أن يدفعونه، ففي مقابل الراتب الذي يكفي بالكاد والمحصل من كد المراجع، بالأساس، فإن هذا الأخير يضمن حتى ولو بعد عناء أن معاملته ستنتهي..

والمعروف هنا، كما يكشف الواقع المؤلم، أن من بين متطلبات وتوصيف الوظيفة العامة واشتراطات التعيين فيها أن يكون المسؤول عنها قادرا على إرغامك أنت كمواطن على التحول في غفلة من الزمان إما إلى "إرهابي" أو "مغفل"، مثلما تحدثت الأفلام المصرية عن المواطن الغلبان في "الإرهاب والكباب" وغيره، الذي ربما يقبل بأشياء لا يمكن القبول بها لمجرد أن تقضى مصلحته..

وهنا لا تعدم واحدا من هؤلاء الموظفين إلا ولك معه مشكلة، أو تسبب لك، أو تسببت له في مشكلة، أو رضيت باستغفاله لك تحت دعوى الشاي والوهبة والإكرامية والأولاد والمعيشة والدنيا..

والحقيقة أن هناك ما يتعين معرفته لتفسير ما يقوم به الموظف البيروقراطي في الأجهزة البيروقراطية من تعقيد، إذ لا يخفى:
أن كثيرا منهم إما غير مؤهل، ولا يصلح لأداء العمل كموظف عام..
وإما أنه دخل الوظيفة العامة من باب الواسطة والعلاقات الواسعة التي تبرر له عدم العمل..
أو أن ظروف العمل لا تتيح له بالفعل أداء المهام المطلوبة منه بالفعالية المطلوبة..
أو أنه مقيد من جانب رؤسائه والقوانين القائمة التي تصر عليه ألا يتصرف وحده..
أو أنه يخشى تحمل المسؤولية حتى لا يقدم ككبش فداء عند أول إحالة للشؤون القانونية..
أو أنه لا يعرف أصلا كيف تعالج المشكلة، ولم تطرأ عليه حالة سابقة تمكنه من التعامل بشكل جيد مع أية مستجدات..


الثلاثاء، 17 يونيو 2014

الحنين إلى صدام ومبارك والأسد والقذافي

أشخاص لا يتحركون إلا و"الكرباج" فوق ظهورهم..
بل وهناك من يتلذذ ويستمتع ـ من المرضى بالتأكيد ـ بمن يقسو عليه ويعذبه عذابا  لا يقوى عليه غير الأشداء الجلداء..

لكن أن توجد شعوب بكاملها لا تستطيع العيش والتفاهم فيما بين أفرادها، ولا القدرة على السيطرة على نزعاتهم الإنسانية "الشيطانية" ـ والشيطان منهم بريء في الحقيقة ـ ولا يملكون حتى الإرادة لإدارة خلافاتهم المتعددة والشاملة إلا بالقتل والتدمير والملاحقة والتعقب على الهوية، سيما في المنطقة العربية والإسلامية، فهو أمر يستحق من كل ذي شأن جل اهتمامه وبحثه ودراسته..

هل كان صدام وحده من يملك القدرة على وأد الخلافات والاختلافات التي ظهرت في العراق طوال العقد الماضي من بعد عام 2003 تحديدا، والمستمرة حتى الآن، خاصة بعد ظهور داعش، وسيطرتها على بعض المدن العراقية وتحركها ناحية بغداد، وتجييش العالم ضدها الآن لمواجهتها..

ماذا عن مبارك، هل كان وحده الأقدر على معرفة نفسيات المصريين ومكنونات شخصياتهم المعذبة، وربما المريضة، وإدارة شؤونهم التافهة بعيدا عما عاشوه من فوضى وتوتر وعنف خلال السنوات الثلاثة الماضية، سيما من بعد عام 2011 وحتى هذه اللحظة، وربما اللحظات التي ستتلوها أيضا..

لماذا يعيد السوريون تجديد مآسيهم، والعيش في كدر من جديد بعد أن انتخبوا النموذج المصغر لمعذبهم ومفجرهم الأول والأوحد طوال العقود الأربعة الماضية الرئيس المفدى الأسد، وهل هي رسالة لمن يسمونهم التكفيريين أم اعتراضا على ما اُعتبر ربيعا وتحول إثر ذلك إلى خريفا شتويا مظلما..

وعلى هذا، كان القذافي على صواب فيما كان يقوم به ضد شعبه بدافع من رغباته ونزعاته المرضية، فهو أدرى بهم وأفضى إلى ما قدم، ولذلك استعبدهم وسخرهم عقود وعقود، أم هي الرغبة في توزيع المغانم في ليبيا النفطية الكبرى التي انتشر فيها القتل والتدمير، ولم تعرف هدوءا بعد في ظل استمرار المشاورة العنيفة بين السياسة والحرب، بين القبيلة والدولة، بين المسيطرون والساعون للسيطرة، أيا كانت اتجاهاتهم وانتماءاتهم..

ماذا عن حقيقة أن الواقع المؤلم الذي تعيشه الشعوب والأوطان العربية، وربما الإسلامية أيضا، وربما غالبية الشعوب الفقيرة في العالم الثالث، يستدعي هؤلاء من جديد ليخرجوا من قبورهم ومن مشافيهم ومن صناديق اقتراعهم ليحكموا بلادهم وشعوبهم(المنسوبة لهم) من جديد، وكأنه مكتوب عليهم إلا أن يحكموا بمثل هؤلاء وفي ظل هكذا ظروف..

هل هي مشكلة الحديد والنار التي يحكم بها هؤلاء الأباطرة القساه لدول وشعوب المنطقة..

أم أنها مشكلة ثقافة الشعوب ذاتها التي تأبى العيش إلا في مهانة وذلا وخنوعا بدعوى "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش"..

أم أنها ممارسات الدول الكبرى والنافذين المحليين المرتبطين بالمصالح العالمية التي لا تتورع عن القيام بأي شيء لضمان تحقيق مصالحها واستمرار تدفقها حتى لو أدى ذلك لإشاعة الفوضى والعنف "فيها لا اخفيها"..

أهي مشكلة عدم النضج الديمقراطي والاستبداد الشرقي ومدى صلاحيتنا واستحقاقنا وتأهيلنا ووعينا بالديمقراطية وأصولها التي تحدث عنها الجميع قديما وحديثا..

أم أنها عملية بث وزرع القيم التي تشربتها الشعوب طوال عقود واستمرت بإفرازاتها السلبية حتى أيامنا هذه دون محاولة للتغيير..

أم إنها مشكلة الاتجاه الديني في ذاته عموما، والإسلامي خاصة باعتباره المفجر وأساس الخلافات في كل النماذج السابقة..

هل القضية محاولة لإقصاء تيار ما يحاول التواجد واللعب في الساحة كغيره، والحصول على قدر من الكعكة، وتقف كل العقبات الداخلية والخارجية في مواجهته بدعوى أخطائه، وهي حقيقية، وممارساته العنيفة المتطرفة تارة، واستغلاله للدين وتجييشه للناس تارة ثانية، ورفضه وربما إقصائه هو أيضا للمعارضين له والمخالفين معه تارة أخرى..

إنها كل هذه العوامل، التي تفسر في مجموعها باختلاف درجة التأثير بالطبع، الحنين للماضي الأليم بكل عذاباته ومآسيه، وتبرر المقولات التي تتردد ربما على استحياء حتى الآن، وفحواها: "فين أيامك يا ؟؟" وعليك أن تضع ما تريده بدلا من علامات الاستفهام تلك..


الأحد، 15 يونيو 2014

للمرة الألف.. هناك مصريون آخرون

مشاهدات تترى عليك من هنا وهناك تؤكد لك أن هناك مصريين "آخرين" لا نعرفهم، وأن مصريين "آخرين"، وبشكل متعمد، لا يريدون لأحد أن يعرفوا هؤلاء البائسين أو عنهم، لأنهم ربما قد يكونون سبة في جبينهم أو عارا لا يمكن تحمله..

ويصر "مصريو" العصر وعبر تكتيكات غسل الأدمغة الممنهجة وتغييب العقول وتغيير المدركات، على صياغة ورسم وبث صور بديلة تحاكي ما في مخيلتهم عن المصريين الذين يريدونهم دون هؤلاء الذين لا يعتبرونهم أصلا ضمن هذا الشعب أو من بين أبنائه..

بمعنى آخر هناك مصريون ممن يمكن تسميتهم بالمصريين "الأوُّل" الأقحاح، قد يكونوا من الفقراء المهروسين الممصوصين أو حتى المعارضين، أو غيرهم، وهم غالب الشعب في الحقيقة، وقود وملح الأرض، الذين يمثلون بحكم أدوارهم التي يقومون بها رغما عنهم، وربما طواعية، "المخدماتية" أو الطبقة "الخادمة" لرغبات وتطلعات غيرهم من النافذين..

وهؤلاء جميعا يُعدون من المنبوذين المرفوضين القابعين في أدنى درجات سلم الطبقات الاجتماعية، ولا يجدون الفرصة الكافية للصعود، ولو قليلا، أو حتى الخروج من وضعيتهم تلك، وهم مع ذلك، ورغم المهام الجسام التي يقومون بها، لا يقبلهم المصريون "الواصلون" من "الأسياد" المنتشرون في مواقع السلطة والمال والنفوذ، الذين يعتبرون بحكم تعريفهم "أقلية" تسود وتسوس وتسيطر طبقيا ونخبويا..

ألم نسمع ونرى جميعا عن مصطلحات وصور تم تداولها بكثرة، وتشير ضمنا إلى هذه المعاني الانقسامية في المجتمع، الناس "بتوعنا" والناس "بتوعكم"، الراجل "بتاعنا"، دا "تبعنا"، وهي المعاني الدارجة المصرية عن "البتاع"، أو ما يعرف بالصلة بين الشيء التابع والمتبوع، بين السيد والعبد، بين الخادم ومخدومه، بين الآمر والمأمور، أو "عبد" المأمور، كما تم الاصطلاح على ذلك عرفا وتقليدا في الأوساط الشعبية..

دعك من كل هذا، انظر فيما يتم تداوله عبر الصور في وسائل الإعلام المختلفة، سيما في الدراما والسينما، سواء أكانت تتمتع بالصدقية أو غير ذلك، دقق جيدا في ملامح الشخصيات المصرية وواقعها وظروفها الاجتماعية، إذ لا تعدم وجود هذين النوعين:

أحدهما يمثل رعاع المصريين الذين ملأوا البلد والطرق، وتجتمع فيهم ومناطقهم كل الموبقات والصفات السيئة والمذمومة، ويعيشون وأولادهم الذين ولدوا ـ غالبا ـ خارج نطاق الزواج، وفي مناطق لا تقل عنهم سوءا وذما، ويحملون مسؤولية كل الأوضاع السيئة التي لا يعيشونها هم فحسب، بل تعيشها البلد ككل، وهم من ينشرون غسيلها "الوسخ" أمام الآخرين وغير ذلك..

النوع الآخر، أكثر رقيا وتقدما بطبيعة الحال، أو بالمصطلح العامي المصري، الناس "النضيفة"، أو البشوات على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم بالطبع، والذين يعيشون بالمقارنة بالعامة والدهماء في ظروف أفضل، إذ يقطنون مناطق مختلفة، وربما كامبوندات، إن صح هذا الجمع..

ويمشي هذا النوع من المصريين اللطفاء ـ عفوا ـ يركبون سيارتهم وتاكسياتهم، وليس الحافلات العامة ولا حتى المكروباصات، في شوارع أكثر تنظيما وضبطا، ولهم أعمالهم الخاصة، ولأبنائهم بالطبع مدارس مختلفة غير تلك المكدسة بالمئات من الأطفال الذين لا يُتوقع أن يتجاوز أفضل مصير لهم سوى التعطل والجلوس على المقاهي، أو العمل كعامل حرفي، وليس أن ينخرط بعد أن يتسرب من مؤسسات التعليم النابذة إلى الشارع ليسهم بدوره في نماء ظاهرتي التوربينات والنخانيخ ـ جمع "التوربيني" و"نخنوخ"..

إذاً إنه الحقد الطبقي ثانية الذي يمثل دافعا لرصد مثل هذه الظواهر، ألم تنتهي هذه اللغة بعد كل ما شهدته مصر من تطور وتقدم، وبات الجميع يشعر بأنه مواطن له كل الحقوق وعليه كل الالتزامات، ويشكو جميعهم من المساواة التي يرفلون في نعيمها ليل نهار أمام القانون والمؤسسات العامة، وتتوفر لهم كل فرص النماء والتطور والصعود الطبقي وبشكل متساو..

قد لا يعنينا كل ذلك، على الرغم من مخاطره والتهديدات التي يمثلها أو يعكسها ويفرزها، ومن البديهي أن يوجد في أي مجتمع من يملك ومن لا يملك، من يتطور ومن يظل قابعا يشكو ألم الدهر..

ما يعنينا هو أن هناك مصريين آخرين يتم تجاهلهم عمدا، ولا يعيرهم أحد اهتماما، ويتعمد الرافضون لهم تشويههم، وإبرازهم كعبء يجب استئصاله على الرغم من أن لهم كل الحق في أن "يطلعوا في الصورة" مع غيرهم..

ما يعنينا ضبط ظاهرة الباعة الجائلين في شوارع القاهرة، وليس تشريدهم وسرقة بضاعتهم المستهلكة، ما يعنينا تنظيم عملية البناء وإدخال المرافق للبيوت والشقق "المتوصلة على بعضها" بدل هدم الأساسات وتضييع أموال الناس، ما يعنينا توفير الحد الأدنى من المعاش ومقومات الحياة العادية لغالبية الناس بدلا من التضييق عليهم وملاحقتهم بتهم البيروقراطية وتلقي الرشاوى..

ما يعنينا أشياء كثيرة، ليس أقلها إعطاء الاهتمام الكافي ببقية المصريين..
ولا الالتقاء بهم ومباشرة الخطاب معهم على غرار الفنانين والرياضيين وطلبة الكليات الحربية ومعسكرات الأمن وبعض النساء..
ولا الخروج لشوارعهم المليئة بالمطبات والتي لا يوجد فيها شرطي مرور واحد في بولاق وشبرا والدويقة ومنشية ناصر..
ولا حتى إجراء سباقات "العجل" في مناطقهم المنكوبة أسفل الجبال وبجانب المصارف والمصانع الملوثة..

وإنما ما يعنينا بشكل أكثر حيوية هو العمل على أن تتوفر "الحارات" المناسبة في الطرق المصرية كي يركب المصريون المغلوبون على أمرهم ـ  وليس من يملكون السيارات ولا من يملكون القدرة على دفع أجور التاكسيات والمكروباصات ـ "عجلاتهم" بأريحية، بحيث يأمنوا فيها على أنفسهم وهم ذاهبون للعمل، هذا بافتراض توفر المقدرة المالية المناسبة لديهم لشراء "عجلة" من طراز "نصر" أو "رمسيس"، وليس "عجلة" "بيجو" كتلك التي يردد الخبثاء أنها بـ "تمن" ـ أي بثمن ـ سيارة نص عمر يتوق المصريون الأوائل لركوبها..