الجمعة، 8 أغسطس 2014

رفاهة الرفض

منذ فترة ليست بالقصيرة، أصيب بالملل..

ليس فقط لإحساسه بالرغبة في التطور وتحسين الأحوال وتغيير المآل..
ولأن الوضع بالنسبة له دون الطموح المنتظر..
ولأن هذا الوضع لا يختلف كثيرا عن غيره باعتبارها جميعا من أدوات الإصابة بالإحباط واستنفاد الطاقة والجهد..
وانعكاسا ـ اي هذا الوضع ـ لممارسات الاستغلال التي تحفل بها الساحة حتى من صغار البرجوازيين كالبقال الذي بجوارك والحرفي الذي لا يعيرك بالا عندما تحتاجه ولا تستطيع محادثته لانشغاله الشديد رغم أنهم لا يعيشون إلا بوضع أيديهم في جيبك..
واستمرارا ـ أي هذا الوضع أيضا ـ لضغوط الحاجة لحد أدنى من المعاش الذي يمكن أن يلبي له احتياجات الأفواه التي تتقوت من ورائه...

ليس فقط لكل ذلك أصيب بهذه الحالة، التي يبدو أنها حالة عامة أصابت قطاعا كبيرا من المصريين، وإنما لأنه كان وما زال يأمل في مزيد من الراحة والأنتخة، ذلك التعبير المصري الحصيف الذي لا يعبر سوى عن ثقافة النوم والكسل والعجز، فضلا عن البحث الدؤوب ودون جدوى عن التقدير الكافي الضائع لقاء الجهد القليل الذي يبذله..

المصري الجديد يتغافل عن حقيقة راسخة، وهي أن هذه الراحة والأنتخة التي يحبذها لن تنقذه من هذا الشعور القاتل بعدم الجدوى، وأن السبيل الوحيد لتلافي هذا الإحساس هو بالمشاركة وبالإيجابية الكافية في الشأن العام بدلا من هذه الثقافة الأناميلية المصرية الأصيلة..

هل هناك أدنى شك في أن شعور الملل والإحباط والكسل والقرف من كل شيء، لم يعد يتسرب إليه، بل بات متغلغلا في داخله، متجذرا في أعماقه، مسيطرا على جوارحه وحواسه..

الحقيقة أنه فكر في الأمر كثيرا، ولم يعد أمامه أي خيار سوى تغيير هذه القيم الثقافية البالية، والتخلص منها...

وهو في مسعاه ذاك مطالب بالتحرك سريعا حتى لا يتهم بأنه يعيد اجترار تجاربه السيئة، وارتكاب أخطائه القاتلة مرات ومرات التي جعلت رعاته من السلطات الأبوية في كل أشكالها ومستوياتها، والتي تتسيد عليه منذ مولده ومولد أجداده يسيرون في مسارهم المستغل لحياته ومقدراته دون أي جزاء سوى القتل والتشريد والملاحقة والتأديب المستمر..

نعم عملية تأديب متواصلة يتعرض له المصري يوميا حتى وصل الأمر للمطالبة بالعودة لطبيعته الأولى بداية من الكهرباء ومن ثم المياه التي يتم قطعها لثلاث مرات في اليوم الواحد، وتختص بها المناطق الفقيرة دون غيرها، والمطالبة بمزاحمة سيارات مستهلكة وسائقين مبرشمين قرفانين بعجلة في شوارع القاهرة المهروسة، والدعوة للجوء ثانية لطشت الغسيل بدلا من الغسالات، والمقشة الليف بدلا من المكنسة، والباجور لتسخين المياه بدلا من السخانات، ناهيك عن استمرار الجباية لخدمات لا يتلقاها، والتنكيل به لمجرد أنه يطالب بتحسينها....

 لقد باتت لديه القناعة بأنه سيظل هكذا يعاني ويشكو، وأنه دون أن يملك رفاهة رفض أي من هذا، وتبني ثقافة بديلة تجعله يأبى كل هذا، فسيظل قانعا راضيا بالسقوط، قابعا في القاع، دون أمل في غد آخر مختلف مرددا لنفسه، وكما يقولون: ياعزيزي لن تسقط، ما دمت في القاع.....