الأحد، 22 يونيو 2014

دول "عالة" على شعوبها

القضية الأخرى خاصة بالشأن الداخلي لكل تلك الدول التي ذُكرت سلفا في التدوينة المشأومة السابقة، والتي "كَبَسَت على مراوحنا" لأيام حتى نفهمها، إذ أشهد أنني لم استوعبها إلا بعد عناء، فعذرا لقارئ لم يحط بها كاملة..

وهذه الدول المكلومة بأوضاعها الداخلية كانت وما زالت وستظل تعاني منذ أن أوجدتها وأنشأتها دول الاستعمار الكبرى حماية لإقطاعياتها التقليدية والطبقات التابعة لها فيها..

وهي حقيقة لا مراء فيها، فلم يكن لهذه الدول المقطعة أوصالها أن تظهر، أو أن توجد أو حتى أن تبقى وتستمر بعد أن انتهت وانهارت فعليا الدول الشبيهة لها حتى في أعماق أفريقيا وجمهوريات الموز دون مساعدة ودعم من الدول الكبرى الراعية لأنظمتها التابعة  لها..

ولا يخفى بالطبع أن هذه الدول "الأبوية" ما تزال تتفضل علينا نحن الذين لم نبلغ سن الرشد بعد أكثر من ستة أو سبعة عقود مما يسمى بـ "الاستقلال" بتوجيهنا وإسباغ الحماية علينا حتى باتت دولنا ـ أو دولهم في الحقيقة ـ تمثل عبئا عليها الآن، في حين أنها تمنع عنها أي تطور قد يؤثر على "استقرار" مصالحها أو "تدفق" نفوذها..

المهم، وكما هو ملاحظ، أن أوضاع الدول الداخلية في المنطقة المأزومة تجعل من الصعب التكهن بما سيحدث في قابل الأيام في ظل التطورات والمستجدات الهائلة التي تحدث على الساحة اليوم، حيث:

زيادة هوة الانقسام والتشرذم بين الناس..
وبزوغ نزعات الإقصاء والتشدد والتطرف والعنف، ليس فقط لدى الاتجاهات الدينية..
وزيادة وتيرة التداخل بين المحلي والإقليمي والعالمي مع التداعيات المصاحبة لذلك..
وتعرض سيادات الدول وحدودها للاختراق والضعف والوهن وربما الانكسار والتحلل..
وتصاعد وتيرة التجرؤ على الدولة ككيان تقليدي وأجهزتها وسلطاتها وأنظمتها..
وغياب الدولة العمدي عن القيام بأدوارها المطلوبة منها ناحية شعوبها، سيما التوزيعية منها..
واتجاه الأنظمة والحكومات لتغليب مصالح المنتفعين بها وعلى حساب العامة والبسطاء..
وغير ذلك الكثير..

صحيح أن تلك الأوضاع هي قائمة منذ أمد، وتم التعتيم والسيطرة عليها والتحكم بها قسرا، لكنها زادت بروزا وقسوة وقتامة خلال السنوات الثلاث الماضية إلى درجة أنها جعلت الدول تلك الكيانات السائدة، فضلا عن أنظمتها التقليدية المعروفة وتابعيهم من شلة "الحشاكيل" المنتفعين الانتهازيين، والشعوب بالتبعية، عرضة لخيارين أحلاهما مر:

أحدهما: إبقاء الوضع على ما هو عليه، حيث تستمر الدول في غطرستها والأنظمة والحكومات في تحديها دون اعتراف بأحقية الشعوب في أن يكون لها رأي مقدر ومحترم ونصيب من كعكة المصالح والنفوذ التي يستأثر بها فئة واحدة فقط دون بقية الناس حتى لو كان ذلك مخالفا للأعراف والتقاليد والآراء السائدة للغالبية المسيطرة..

الخيار الآخر يتعلق بنزوع الناس، أو بعضها على الأقل، إلى البحث عن وسيلة أخرى يستطيعون بها التعبير عن مكنونات أنفسهم ورغبتهم في أن يروا وضعا وحياة ودول وحكومات مختلفة وتكريس رفضها لممارسات أقل ما توصف بأنها غير إنسانية يتعرضون لها يوميا وفي كل لحظة من لحظات حياتهم وسواء داخل بيوتهم أو فور خروجهم منها للبحث عن لقمة عيش يقتاتون بها وعيالهم..

والواضح أن كلا الخيارين تعيشهما شعوب ودول المنطقة حاليا مع اختلاف الدرجة والمستوى، خاصة تلك التي قيل أنها عاشت جزءا من الربيع العربي ثم استحال إلى صيف قائظ الحرارة..

وهنا تجد دولا وحكومات فاشية، تزداد قساوتها مع المختلفين معها المعارضين لها، ولا تعدم وسيلة إلا وتردعهم بها حتى لا يتجاوزوا الخطوط الحمر التي رُسمت لهم..

بينما تحاول شعوب، أو بعضها على الأقل، مواجهة تلك الفاشية، والتأكيد بأنها لا ترغب سوى أن تكون ضمن القافلة شرط أن يتغير ربانها وكلابها، وهي مدركة تماما أن هذا التغيير قد لا يضمن لها التحسن، ولكن مجرد أن ترى رؤساء وحكومات وسياسات مختلفة عن تلك التي عهدتها طوال عقود وربما قرون إذا ما عدت بالتاريخ إلى الوراء..

تجتمع في المنطقة الآن كل أسباب التغير المفاجئ، وربما العنيف والدموي، ومصر ليست بعيدة عن ذلك، فإنك قد تملك القدرة الآن على إقرار الأوضاع التي تريدها، لكنك لا تملك على المدى الطويل الأسباب والبواعث التي تضمن لك هذا الاستقرار..