فرحِون بما يتردد ويُتداول عنهم، يرفعونه شعارا لهم وكأنه طابع دمغة أو "مكوة رجل" يختمون به سجل حياتهم الحافلة بفنون وألوان من المأساه والملهاة على السواء..
الأدهى أنهم يعتبرون ذلك من سمات الشخصية المصرية القحة(بضم القاف وليس كسرها)، إن كانت لها هذه السمات بالفعل، في مباهاة غريبة للآخرين في الأوساط المختلفة بأنهم يملكون ما لا يملكه الغير، وأن الطبيعة منت عليهم بشيء ولو يسير مما منت به على الأقل منهم موهبة وجهدا، وحبتهم بعد ما منعتهم الكثير والكثير...
يقولون عنه إنه: ابن نكته.. دمه خفيف.. مضحكاتي.. لماح يلتقط التايهة ويحولها بقدرته العجيبة إلى شيء ناطق يدعو للضحك.. يهزأ من كل شيء وأي شيء.. قادر على السخرية حتى من وعلى أوضاعه المأساوية التي يعيشها يوميا، أراجوز يعني...
وهم في قولهم ذلك الذي يتغنون به يتناسون بل ويتجاهلون ويغضون الطرف عمدا عن عدة حقائق مهمة:
إحداها: أن تسفيه الواقع بمشاكله اليومية الكثيرة والتقليل منه والسخرية مما يحدث فيه، يضع المصري الفصيح في موضع وكأنه لا يبالي بما يتعرض له ويعرفه ويعيشه من واقع مؤلم يوميا، رغم أن هذا الواقع يفرض عليه تغييره، والعمل على تحسينه بشتى السبل الممكنة...
ثانيها: أن الاستهزاء بالواقع المزري يمنعك من العمل وبذل الجهد من أجل التغيير بدعوى أنك قادر على التكيف والتعايش مع هذه المزريات بدليل سخريتك منها، وهو بالتالي ليس دليل عافية بقدر ما هو دليل تنطع ورغبة في السكون والصمت والخنوع لأشياء وشخوص لا يمكن القبول بها إذا كنت آدميا بحق..
ثالثها: أن قضية تكبير الدماغ، البلد بلدهم، اللي عاوزين يعملوه يعملوه، وما تقدرش تعمل معاهم حاجة، التهديد والوعيد بالبهدلة والملاحقة وقطع الأرزاق وربما التشريد والتوقيف والقتل، وهي جميعا مشتقات أو من تبعات موقف النقد اللاذع الجارح الساخر الذي يتبناه المصريون من مآسيهم، كل ذلك يعد سببا رئيسيا في تمادي الطاغي في طغيانه واستمرار الظالم في ظلمه...
رابعها: أن السخرية من أوضاعنا والاستهزاء بما يحدث لنا، و"التريأة" على ظالمينا بما لذ وطاب من قفشات وفيديوهات ورسومات، تجعل منا أمثولة للآخرين، وكأن الإخوة المصريين ليسوا أكثر من مشخصاتية أراجوزات قادرين على إضحاك الآخرين إلى درجة البكاء وإدماع العين..
وعندما تأتي لتسأل: ماذا بعد سياسة الإضحاك علينا وعلى شؤوننا البائسة وملفاتنا وقضايانا الضائعة التائهة، ماذا سيستفيد المصري من نكتة أو كاريكاتير أو فيديو ساخر من وعن هذا الظالم..
عند البحث، لا تجد إجابة شافية عن هذا السؤال المحوري بقدر ما تجد استمرارا للعته والجنون وشغل "الحبشتكنات" الذي يُمنَّي به المصريون أنفسهم حتى يزدادوا صبرا ـ أو قل تنطعا ـ على قاتليهم، قائلين لأنفسهم: "اصبر على جارك السو.. يا يرحل، يا تيجي بلوة تاخده"، وفي العادة لا يرحل ولا مصيبة تقع عليه لتأخذه..
ومن ثم، فلا عجب أن تجد الفاسدين يتمتعون بالجرأة الكافية على الإقدام على أفعال وممارسات وسلوكيات لم يفعلها أحد لا في الأولين والآخرين..
موقنين في قرارة أنفسهم ـ ليس فقط بأنهم مُعفون من العقاب، ومطمئنون بأنهم لن يلاحقوا ـ وإنما أيضا مُدعون للتمادي في غيهم ومواصلة استعراضهم في البغي والبطش...
ومقتنعين بأن أقصى ما قد يفعله المصريون ناحيتهم، إن فعلوا شيئا أصلا، هو السخرية من ظالميهم، وربما إطلاق النكات بكل صورها وأشكالها القديمة والمستحدثة تجاههم، ومن المحتمل أن يسبونهم ويلعنونهم بأقذع الألفاظ التي يضمها قاموس الحرافيش الشوارعية في مصر المهروسة الممصوصة المصفاه لآخر قطرة...
لن يتجاوز الأمر أكثر من مجرد كلمات ـ وربما صور تتردد وتُتداول هنا وهناك ـ كلمات وصور لن تنال من هؤلاء الظلمة المفترين بقدر ما تشجعهم وتحثهم على استمرارعملية النهب المنظم والتفريغ الحرفي والإخلاء العمدي لكل قدرات المصريين ومواردهم، المعنوية منها قبل المادية..
نعم السخرية من الواقع، التي يعتبرها المصريون دليل نضجهم ووعيهم وتساميهم على مصائبهم، رسالة خاطئة للفاحشين للتمادي في وحشيتهم وتفحشهم..
الأدهى أنهم يعتبرون ذلك من سمات الشخصية المصرية القحة(بضم القاف وليس كسرها)، إن كانت لها هذه السمات بالفعل، في مباهاة غريبة للآخرين في الأوساط المختلفة بأنهم يملكون ما لا يملكه الغير، وأن الطبيعة منت عليهم بشيء ولو يسير مما منت به على الأقل منهم موهبة وجهدا، وحبتهم بعد ما منعتهم الكثير والكثير...
يقولون عنه إنه: ابن نكته.. دمه خفيف.. مضحكاتي.. لماح يلتقط التايهة ويحولها بقدرته العجيبة إلى شيء ناطق يدعو للضحك.. يهزأ من كل شيء وأي شيء.. قادر على السخرية حتى من وعلى أوضاعه المأساوية التي يعيشها يوميا، أراجوز يعني...
وهم في قولهم ذلك الذي يتغنون به يتناسون بل ويتجاهلون ويغضون الطرف عمدا عن عدة حقائق مهمة:
إحداها: أن تسفيه الواقع بمشاكله اليومية الكثيرة والتقليل منه والسخرية مما يحدث فيه، يضع المصري الفصيح في موضع وكأنه لا يبالي بما يتعرض له ويعرفه ويعيشه من واقع مؤلم يوميا، رغم أن هذا الواقع يفرض عليه تغييره، والعمل على تحسينه بشتى السبل الممكنة...
ثانيها: أن الاستهزاء بالواقع المزري يمنعك من العمل وبذل الجهد من أجل التغيير بدعوى أنك قادر على التكيف والتعايش مع هذه المزريات بدليل سخريتك منها، وهو بالتالي ليس دليل عافية بقدر ما هو دليل تنطع ورغبة في السكون والصمت والخنوع لأشياء وشخوص لا يمكن القبول بها إذا كنت آدميا بحق..
ثالثها: أن قضية تكبير الدماغ، البلد بلدهم، اللي عاوزين يعملوه يعملوه، وما تقدرش تعمل معاهم حاجة، التهديد والوعيد بالبهدلة والملاحقة وقطع الأرزاق وربما التشريد والتوقيف والقتل، وهي جميعا مشتقات أو من تبعات موقف النقد اللاذع الجارح الساخر الذي يتبناه المصريون من مآسيهم، كل ذلك يعد سببا رئيسيا في تمادي الطاغي في طغيانه واستمرار الظالم في ظلمه...
رابعها: أن السخرية من أوضاعنا والاستهزاء بما يحدث لنا، و"التريأة" على ظالمينا بما لذ وطاب من قفشات وفيديوهات ورسومات، تجعل منا أمثولة للآخرين، وكأن الإخوة المصريين ليسوا أكثر من مشخصاتية أراجوزات قادرين على إضحاك الآخرين إلى درجة البكاء وإدماع العين..
وعندما تأتي لتسأل: ماذا بعد سياسة الإضحاك علينا وعلى شؤوننا البائسة وملفاتنا وقضايانا الضائعة التائهة، ماذا سيستفيد المصري من نكتة أو كاريكاتير أو فيديو ساخر من وعن هذا الظالم..
عند البحث، لا تجد إجابة شافية عن هذا السؤال المحوري بقدر ما تجد استمرارا للعته والجنون وشغل "الحبشتكنات" الذي يُمنَّي به المصريون أنفسهم حتى يزدادوا صبرا ـ أو قل تنطعا ـ على قاتليهم، قائلين لأنفسهم: "اصبر على جارك السو.. يا يرحل، يا تيجي بلوة تاخده"، وفي العادة لا يرحل ولا مصيبة تقع عليه لتأخذه..
ومن ثم، فلا عجب أن تجد الفاسدين يتمتعون بالجرأة الكافية على الإقدام على أفعال وممارسات وسلوكيات لم يفعلها أحد لا في الأولين والآخرين..
موقنين في قرارة أنفسهم ـ ليس فقط بأنهم مُعفون من العقاب، ومطمئنون بأنهم لن يلاحقوا ـ وإنما أيضا مُدعون للتمادي في غيهم ومواصلة استعراضهم في البغي والبطش...
ومقتنعين بأن أقصى ما قد يفعله المصريون ناحيتهم، إن فعلوا شيئا أصلا، هو السخرية من ظالميهم، وربما إطلاق النكات بكل صورها وأشكالها القديمة والمستحدثة تجاههم، ومن المحتمل أن يسبونهم ويلعنونهم بأقذع الألفاظ التي يضمها قاموس الحرافيش الشوارعية في مصر المهروسة الممصوصة المصفاه لآخر قطرة...
لن يتجاوز الأمر أكثر من مجرد كلمات ـ وربما صور تتردد وتُتداول هنا وهناك ـ كلمات وصور لن تنال من هؤلاء الظلمة المفترين بقدر ما تشجعهم وتحثهم على استمرارعملية النهب المنظم والتفريغ الحرفي والإخلاء العمدي لكل قدرات المصريين ومواردهم، المعنوية منها قبل المادية..
نعم السخرية من الواقع، التي يعتبرها المصريون دليل نضجهم ووعيهم وتساميهم على مصائبهم، رسالة خاطئة للفاحشين للتمادي في وحشيتهم وتفحشهم..