الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

الرعاع أمثالنا

من كل مستجدات أحداث ميزوري الأمريكية لم يسترع انتباه الناس سوى ما يعتبرونه التعامل الوحشي للشرطة في مواجهة عزل، وهو توصيف بكل تأكيد خاطىء..

يجب التنبيه بداية أن هذه الأحداث لم تسفر بعد أيام من وقوعها وحتى اللحظة سوى عن حالتي قتل، حسبما نعرف، منها الحالة الأولى للفتى براون الذي تسببت حادثة إردائه بست رصاصات في الصدامات الحاصلة إلى الآن، إضافة لنحو 30 جريحا وبعض جرائم إطلاق النار هنا وهناك واقتحام ونهب الممتلكات العامة والخاصة بالأساس..

وفي نبرة ساخرة، يدعي هؤلاء أن الولايات المتحدة راعية حقوق الإنسان، والتي تتشدق بضرورة احترام العالم لها في المحافل كافة، الدول المغلوب على أمرها تحديدا، ليس من حقها بعد الآن الادعاء بأنها صاحبة مبادئ حقوقية، ولا أن تطالب أحدا، سيما من الدول الفاشلة صاحبة السجلات السوداء في الانتهاكات الحقوقية كمصرنا الحبيبة، باحترام ومراعاة مبادئ حقوق الإنسان عندما تتعامل مع مواطنيها المعتصمين المتظاهرين الرافضين المتمردين..

بل ويتجاوز هؤلاء القول عندما يطالبون ضحايا العنف الأمني في بلادنا، وهم كثر بالمقارنة بحالات معدودة في ميزوري، بالنظر جيدا لما أقدمت عليه القوات الأمريكية بحق المحتجين هناك..

مشيرين في برهان ساطع على ألمعيتهم ونفاقهم في الوقت ذاته إلى أن المحتجين المصريين، أيا كانوا، لا طريق للتعامل معهم سوى بهذه القبضة الأمنية المتشددة..

ومبررين بالتبعية لعناصر الأمن أية ممارسات يمكن أن يقدموا عليها عندما يتعاملون مع بشر لهم كل الحق في التعبير عن امتعاضهم او استيائهم من شيء ما..

لم يلتفت هؤلاء لا إلى الصور المنقولة من الأحداث، والتي توضح في غالبيتها احترام عنصر الأمن لحياة وآدمية المحتجين، حتى لو كانوا مجرمين ناهبين للمحال ومخربين للمنشآت والطرقات...

ولا إلى المؤتمرات الصحفية الكثيفة التي تعقد من أطراف الصدام سواء من الشرطة او المحتجين، والتي تتيح لهم جميعا الحق في التعبير عن أنفسهم وتبرر لسلوكياتهم..

ولا إلى المطالبات العديدة بالتهدئة وعدم تجاوز السقوف القانونية المسموح بها..

ولا إلى محاولات الاسترضاء للتحقيق في حادث قتل الفتى براون ومطالبات إقالة النائب الذي يتولى التحقيق فيه..

بل إنهم لم يلتفتوا أيضا إلى خلفيات وجذور وبواعث مثل هذه الهبات العرقية التي تشهدها أمريكا بين الفينة والأخرى والتي تكشف ممارسات الظلم الواقعة بأناس لمجرد أنهم مختلفون، أيا كان سبب الاختلاف سياسيا كان أو اجتماعيا أو إثنيا أو غير ذلك، والتي تفتح الباب بالتأكيد لمعالجة أسبابه وكوامنه منعا لحدوث مثل هذه الأزمات مستقبلا..

لا نأمل من الإخوة سوى الفهم والاستيعاب والإحاطة الكاملة بالمسائل، كما لا نتمنى سوى جزء ولو يسير من الإجراءات الأمريكية ناحية المحتجين الذين يتم التعامل معهم كبشر، وليس مجرد حشرات يسهل قتلها دون دية، معترفين ومقدرين بأية أخطاء في السلوك والممارسة، ومتفهمين لأية إجراءات ناحية الانتهازيين المستغلين لمثل هذه الأحداث سواء للانتقام أو الإثراء غير المشروع أو غير ذلك...