إنها بمثابة أرض الأحلام لدى البعض، رغم أنها ليست ولن تكون كذلك، إنها نموذج لتلك الزوائد الصديدية التي تنبت على جانبي الحلق وتسبب للأطفال الصغار الالتهاب، ويمكن أن تصيبه بمرض مزمن إذا لم يسارع المعني بمعالجتها بشكل جيد، أو إذا لم تُستأصل نهائيا...
أنها كذلك بالفعل، شيء ما ثانوي فرعي يوجد علي هامش أو حدود شيء آخر أصلي وأساسي يتقوت عليه ويتغذى به، نبت سرطاني نما بشكل مفاجئ بعيدا عن الأعين لا تعرف ما إذا كانت أشبه بعلب الكبريت المتلاصقة بشكل غريب، وكأنها تتكاتف معا لتقف صفا واحدا متحديا في مواجهة أعين الرافضين لها..
أم أنها محاولة متأخرة للإصلاح والتغيير والتحول لتكون نموذجا للتطور المنشود بعد ذلك بعيدا عن هذه العشوائية في التنظيم وعدم التناسق في كل شئ، حيث تري السيارات ذات الموديلات الحديثة وعربات الكارو، الأبراج الشاهقة المنظمة والنظيفة ذات المداخل الجرانيتية والبيوت السويسى، سكك حديدية بعدة مزلقانات خانقة وطرق مسفلتة وترابية تجتمع فيها كل بؤر التلوث والاختناق والفوضى والازدحام، فضلا عن الناس ذوي المشارب والأشكال المختلفة، منهم من يحاول الصعود بكل طرق الصعود المشروعة منها وغير المشروعة، ومنهم من رضا بحاله مطمئنا إلي الحد الأدنى من المعاش بالنسبة له..
الغريب أنك تشعر أحيانا بنوع من الهجرة المكثفة التي تفد عبر مزلقانات هذه الأرض عديمة المرافق والخدمات إلي المناطق المجاورة لها لتضيف ضغطا جديدا عليها سواء من طلبة المدارس وأمهاتهم اللائي يصاحبونهم، إضافة إلي المراهقين من الشباب الذين يقفون بكثافة انتظارا للحافلات التي تقلهم إلي مدارسهم ينظرون بعيون حائرة إلى مستقبل دون ملامح، وفتيات راغبات في الزواج اكتفوا بستر عوراتهم..
علاوة بالطبع علي خليط مركب من الرجال والنساء الساخطين علي الأوضاع، الذين يقبلون علي الحياة، بالمفهوم السلبي للإقبال كي يقوموا بطريحة اليوم ويعودوا غانمين إلي محال إقامتهم بالمؤن اللازمة لاستكمال دورة حياتهم أو الطاحونة البشرية التي ربما لم يدخلوا فيها بإرادتهم وإنما رغما عنهم، قانعين بذلك وهم يرتدون أحسن ثيابهم وربما أغلاها أملا في تغير ما ربما لن يحدث..
أشكال مختلفة من البشر سواقين مكروبصات وتكاتك ومندوبي شرطة يتلمسون اي سبوبة، إضافة إلي بائعي الفاكهة المضروبة والمركونة لغلاء أسعارها، وغير هؤلاء الكثير ممن أُنهكت قواهم وانشغلوا بـ "روتين" اليوم الطبيعي لهم، وكأن الحياة أدخلتهم في مسار لا يستطيعون تغييره، هكذا يستيقظون من نومهم، وهكذا يعيشون ويحيون، وهكذا يذهبون إلي محالهم ومقار أعمالهم ويعودون منها، وهكذا ينامون من جديد ليعيدوا الدورة ذاتها غدا وبعد غد إلى ما شاء الله، وحتى يأتي الموعد الذي ربما يتغير فيه المسار، ولكن هذه المرة إلى الترب، جمع تربة، أي إلى المكان الذي سيجتمع فيه مع هوام الأرض في معركة تحدي سيكون فيها الطرف الخاسر...