الإفقار العمدي لعموم الشعب المصري وانسحاب الدولة من دورها الاجتماعي سياسة معتمدة منذ قديم الأزل، منذ أيام أسيادنا المساخيط، أو ما يعرف بحضارة السبع عشر تلاف سنة التي لا يزالون يتباهون بها إلى الآن..
وامتدت هذه السياسة إلى أيامنا الحلوة الحالية، وإن كانت تتخذ أشكالا وأساليب وآليات مختلفة، المهم كيف يمكن أن تضع الحكومة أو سيدنا الفرعون والوالي والحاكم بمسمياته المختلفة يدها في جيب المواطن المخروم أصلا، والموصل ليس فقط لمصاريف المدارس وإيجار الشقة الحق التي تستره وأهله وهم نيام، وإنما إلى نفقات حياته المضنية هو وعياله..
وقد نجحت الحكومات بأجهزتها المختلفة وفي العصور المتعددة وبتكتيكات شيطانية أباليسية أن تلتف حول المواطن وبطرق ملتوية كي تضع يدها الطويلة الممتدة دائما وبحرفية عالية في جيب هذا المغلوب على أمره لتحصل منه معونة الشتا ودعم المشروعات والصناديق الخاصة، إضافة لرسوم الخدمات اللي زي الزفت التي تقدمها له ويقبل بها رغما عنه وليس عنها...
زادت هذه السياسة وضوحا، سياسة السرقة بخفة يد الساحر الذي يلهيك ليبتليك ويلبسك الأونطة، خلال الفترة الأخيرة مع قدوم هذا "الني الطري" المشأوم لسدة الحكم، غفر الله لنا وله عشان رمضان بس، وتم التقديم لها بأساليب غاية في الدهاء والمكر بدعوى دعم البلد التي بحاجة للدعم تارة، وماذا سيقدم المواطن المطحون لبلده الغني المأزم منذ أن خرجنا للدنيا تارة أخرى..
وفي ظل زحمة الانشغالات بالدنيا، رمضان والعيد والكحك وكأس العالم من قبل، وتطورات السياسة العقيمة بالداخل، ثورة أم انقلاب، إخوان أم إرهاب، فضلا عن إقليم وعالم مضطرب بالأساس تارة بسبب داعش وتارة ثانية بسبب الربيع والخريف العربي، حسب موقفك مما يحدث، وتارة بسبب فوضى العنف والسياسة والطائفية بالعراق وسوريا وليبيا، وتارة أخرى بسبب غزة والتعاطف الشعبي المصري معها في مقابل موقف مبارك السيسي من إسرائيل وحماس والقضية عموما...
في ظل كل ذلك، توالت القرارات والإجراءات المصرية القديمة المتجددة التي لا تستهدف سوى إحكام قبضة الدولة على المصريين، ففي الوقت الذي انتظره البعض للتخفيف من وطأة الأحداث بعد هبتين وأحداث عنف وتوترات وسوء أوضاع استمر على قرابة السنتين، تأتي الحكومة الجابية لتستكمل ما بدأته لتبطش بما تبقى من روح وجسد المواطن المصري المهروس...
البداية كانت في أسعار الطاقة التي لم تمس بتأثيرها سوى الفقراء، وشملت كل شيء في حياته اليومية، ثم رفع الدعم بدعوى تنظيمه وتوجيهه للفقراء في إجراء أقل ما يوصف بأنه مبدع في الالتفات والتحايل، وأخيرا وليس آخر رفع أسعار الكهرباء خلال خمس سنوات قادمة، والذي يمس بالتأكيد أسعار الغاز والمياه..
المصريون وعلى قلب رجل واحد يمكن أن يعلنوا أنهم مع الحكومة قلبا وقالبا شريطة أن تشمل إجراءات التقشف تلك الميسورين في البلد، وليس المتقشفين أصلا بطبيعتهم، كما أنهم على استعداد لأن يتعاطفوا معها إذا ما كاشفت الناس وأكدت انها بمقدورها أن تطول يدها أصحاب الدخول العالية من التي تزيد عما يسمى الحد الأقصى، خاصة من اللواءات والأجهزة السيادية والمستشارون والمدراء بالقطاع الاهلي العام...
وليس هذا فقط بل أنهم يمكن أن يحرموا اولادهم من نصيبهم المنقوص من الدخل الوارد إليهم والخدمات التي لا تقدم لهم أصلا إذا ما صارحتهم الدولة وقالت لهم أن الاستقطاعات التي استقطعتها من قوت عيالهم وقدرها كذا تم توجيهها لخدمات هي كذا وسوف يستفيد منها أبناؤهم مستقبلا بالشكل المطلوب..
غير أن ما يحدث لا ينبئ بأي شيء من هذا، وكأنها تخرج لسانها للجميع، وتقول لهم بلسان حال البلطجي الذي يفرض سطوته على الأسواق ومواقف المكروباصات "ليك شوق في حاجة"، آه هو كدة، ومفيش غير كدة و "اللي في قلعك انفضه"، ولو مش عاجبك أو لو"راجل انزل لي"..
الخوف أن يكون للقضية برمتها غرض سياسي محدد وهي إنهاك الناس واستمرار انشغالهم بمعيشتهم وكأنها الوسيلة المثلى لمنعهم من التفكير في السياسة وناسها...