لم أجد فيما عرض من أفلام سينمائية، أمريكية تحديدا، وهو قليل، إلا ما يراد له أن يروج، خاصة في عالمنا النامي الثالث المتخلف، أيا كانت تسميته، وهو الرفاهة والنعيم والحرية، فضلا عن القوة الأمريكية بكل مظاهرها..
ولم تتعرض الأفلام المتداولة لمشاكل حقيقية يعاني منها المجتمع الأمريكي مثل غيره من المجتمعات الغريبة منها والشرقية على السواء...
والواضح أن النغمة ذاتها السائدة في مصر تسود هناك، الجمهور عاوز كدة، أو تحديدا أن صناع السينما وأصحاب الفلوس ـ حتى لو كانوا جزارين أمريكيين ـ عايزين كدة، حجتهم في ذلك أن السينما ذاتها صناعة لابد أن تدر ربحا، وأن الناس مش ناقصة نكد لأنها عايشاه وتمكنت منه مثلما تمكن منها، وربما هناك توجيهات ضمنية عليا بعدم الكشف أو التركيز على عيوب المجتمع والدولة والنظام...
لكن لا يعني ذلك أنه لا توجد سينما حقيقية بمفهومي كمشاهد، غير أنها محدودة إلى درجة كبيرة جدا، خاصة تلك التي يشاهدها جمهور المنطقة، ومصر تحديدا، وتكشف الكثير عن مواطن الخلل التي يحاولون تجميلها أو مواراتها عن الأنظار بدوافع مختلفة...
قد يكون من بين هذه الدوافع التي تركز على نوعية معينة من افلام السينما دون غيرها: طبيعة المصدر الذي يروج لهذه الأفلام أو الوسيط، خاصة المحطات الفضائية المصرية والعربية أو غيرها..
ربما الدوافع تسويقية بحتة، لأن نسبة المشاهدة لأفلام الأكشن، خاصة تلك التي تروج لفكرة البطل الامريكي السوبر الخالد الذي لا يغلبه غالب، والرعب، وتبادل الصديقات، والتحرر من القيود، ورفاهة العيش، إضافة إلى أنها تعالج نقصا نفسيا مصريا عربيا، فإنها تحظي بنسبة مشاهدة أكبر مقارنة بغيرها تلك التي تتناول مشاكل المهمشين والأقليات والفضائح السياسية والقلق المسيطر على قطاع كبير من المجتمع الأمريكي بسبب اللهاث وراء التطور المادي، فضلا عن الانعزال عن مجمل الشؤون السياسية، والخوف من الغد أو المستقبل بمرضه وموته وما إلى ذلك...
الإشكالية هنا، ليست في كل ما سبق فحسب، سيما أنها تمس عمق مجتمعاتنا، معتقداتنا، ثقافتنا، أمراضنا النفسية والاجتماعية..
وإنما فيما تحتويه الأفلام الأمريكية من رموز وقيم يحاولون ـ الغرب وأتباعه المروجين له من بني جلدتنا ـ تعميمها كـ: قيمة القوة بكل مظاهرها، والتي لا يجب أن يقف أمامها شيء حتى لو كان شرعي ومشروع...
الاستهلاك البذخي الذي بات سمة من سمات مجتمعاتنا، ولا ترى أجنبي ننظر له بتطلع وشغف إلا وبُخل الدنيا فيه، وينتظر منك أنت أن تتفضل عليه بعزومة أو كادو بسيط، وفي العادة لا يردها....
أوالتقدير المبالغ فيه الذي يناله الرمز في الأفلام الغربية سواء كان سياسي أو ديني، وهي قيمة تنافي فكرة النقد ذاتها، ويقاس هذا بما يحدث في أفلامنا، حيث تتوه هذه القيمة، ويروج دائما لها باعتبارها من غير المقدسات ولا الثوابت الواجب احترامها وإضفاء التبجيل اللازم عليها..
انظر مثلا للصورة التي تحملها أفلامنا لرجال الدين أو لرجال الأعمال، فهم إما شهوانيون أو نصابون، ويتم الترويج لصورة مضللة مشوهة عنهم وبالذات لرجال الدين، من الشيوخ تحديدا بالطبع، وهو ما لم ير في غالبية الأفلام الأمريكية، في العادة، إذ ربما يحاولون صياغة الصورة السيئة للبعض دون أن يعمموها، فهي لفرد واحد فقط، وليس لرمز يعبر عن مجموعة أو مؤسسة أو كيان، في حين أن الصورة عندنا للمجموع، فكلهم بتوع نسوان أو بتوع بطنهم أو حرامية...
يبدو أن السبب في ذلك يرجع إلي القيود المجتمعية المفروضة على وسائل الميديا المختلفة في الغرب بالمقارنة بنا، فهم يخشون مقاطعة مكونات معينة في مجتمعاتهم...
كما أن أطقم الخبراء والمستشارين الفنيين والقانونيين يحددون للمؤلف أو المبدع النطاق الذي يعمل فيه ولا يجب أن يتجاوزه، في حين أننا نعيش وفق مدرسة تعتمد الإثارة منهجا، فالخبر لدينا ألا يعض الكلب شخصا، وإنما أن يعض هذا الشخص الكلب، القاعدة عندنا هي الاستثناء الذي يجب تعميمه بالمقارنة بالغرب الذي يمنع مستشاروه المبدعين من التطرق للقضايا والصور التي يمكن أن تحسب عليهم، أو يمكن أن تتسبب في ملاحقتهم قانونيا أو قضائيا أو اعلاميا ومجتمعيا...
الرموز في ميديا الغرب حقوقهم مصانة مقارنة بالشخوص، ولم أجد - فيما أعرف - من يتطرق إلى الاتهامات التي وجهت لقساوسة بالتحرش أو الاعتداء على أطفال، وكذلك اليهود والإسرائيليون لا يمكن الاقتراب منهم إلا تعريضا سواء في قداس ديني من خلال القلنصوه أو عمل استخباراتي يمجد من عناصرهم...
وهكذا تأتي المحاذير الأخرى الواجب الالتزام بها من قبل الميديا الغربية في السياسة والتجارة والأعمال والثقافة والفنون وغيرها...
التساؤل الذي يطرح نفسه هنا: لماذا نهدر نحن قيمنا وتراثنا ورموزنا؟ لماذا لا توجد جهة ما تمنع أحدهم في فيلم أو برنامج أو مادة ما من تعميم النماذج السيئة على فئات وشرائح بعينها من مجتمعاتنا؟